قبل عدة أيام ضربت بغداد عاصفة، شبهها البعض بيوم ألقيامه لشدة وطأتها، ألحقت العشرات ببارئها وخلفت المئات من ألجرحى وأضافت صفحة جديدة الى سجل حافل بانين اليتامى وأهات الثكالى.
تلك العاصفة أضافت المئات الى ركب الشحاذين في تقاطعات بغداد وساحاتها لم ينج منها حتى الأشجار في اول ايام ربيعها وعيدها الذي كانت تنتظره عدة شهور ليغني على أغصانها البلبل الفتان.
بداء مهرجان بغداد للثقافة الكلاسيكية وسط تصفيق قادة الثقافة وصمت الفقراء والمحرومين، بغداد جرحا عميق في صفحات التاريخ لم يمر يوما من عمرها الا وفيه حكاية وقصه، لم تستيقظ يوما على ألأنغام او دعاء الصباح بل تستيقظ على أصوات النائحات، والفاقدات، واللاطمات، حملت بغداد عقود من الزمن تحت طياتها وفي أروقتها ألاما وقصص وحكايات والأجدر به ان تكون كل واحدة أسطورة للتاريخ بما تحمله من أساطير.
بغداد أراد لها إخوانها العرب ان تعيش في خمارها الأسود وتعلوا مآذنها قصة ذئب وبئر، تلك القصة التي اقترنت بها إحياء وأزقة بغداد وكأنما بينهن علاقة أزليه.
استيقظت بغداد في الثالث والعشرون من آذار على انغام الموسيقى وهز الخصر العربي وصدحت الحناجر ورقصت وأطربت أسيادها السابقين واللاحقين.
فتحت الجيوب المتخمة بأموال الساكنين الصفيح والمتجولين في الأسواق وفي الطرقات ليجلبوا لقمه العيش الشحيحة عليهم والوفيرة على أصحاب ألكاس والأنثى.
بغداد بعد لم تجف منها الدماء ولم يحول الحول حتى تبدل ثيابها السوداء، ولن ينجلي حزنها على أبنائها التي أخذتهم يد الحقد والرذيلة من أحضانها، وتراهم يقطعون إمام أعينها رغما عنها، بغداد لن تضحك ولا تُضحك أحداً، كان ومازال يؤلمها ألسفهاء من أبنائها يجلسون على مائدتها متعاطين الكؤوس فيما بينهم، متناسين سيوف إخوتها التي جزعت من رقاب أبنائها، واليوم مباحة لهم أروقتها ودخلوها من جميع أبوابها ورقصوا وتحت إقدامهم دماء أبنائها والسواد مغطي جدرانها.
كل هذا نتيجته الطائشين، والصائعين، والمتخاصمين على جيوبهم، من أبنائها الذي غرقوا وأغرقوها وملىء قلبها قيحاً. بغداد لا ترقصوا في احضانها ولا على جروحها ولا تطربوا مسامعها، بغداد متخمة بالأزمات وحبلى بفكر لا يمت للثقافة بصلة بغداد تأن من ثقافة الجهل والتجهيل...
مقالات اخرى للكاتب