اعتدتُ في السنوات الاخيرة على المساهمة في فعاليات واحتفالية المهرجان السنوي لقسم الصحافة في كلية الاعلام .. وكم كانت سعادتي تتألق وتتصاعد وانا ألمس التقدم الحاصل في الكلية ، منهاجاً وتدريسا وتطورا في مرافقها التطبيقية ، والفرح كان يهزني حين ارى البهجة تعلو وجوه الطلبة المتفوقين والمتميزين وهم يتسلمون جوائزهم وسط زغاريد الطلبة ، وايضا لحظات التكريم التي تشمل اساتذة قسم الصحافة الذين خدموا المسيرة التعليمية ، لكني غبت هذه السنة عن احتفالها الخميس الماضي برغم الدعوة الشفيفة التي وجهها صديقي د. حمدان السالم الاستاذ في قسم الصحافة ، بسبب طارئ اجتماعي دعاني اكون خارج بغداد ..
و صدقاً اقول ، كأنني في حضوري لفعاليات عرس قسم الصحافة في كلية الاعلام اريد ان التمس لنفسي ، انساً وسلوى ، في فورة الحنين الى اصدقاء وزملاء احبة عايشتهم سنوات ، فأقنع نفسي بأني مقيم في ما بينهم ، اتنفس من خلالهم ضوع الكفاءات الشبابية التي ستتسلم قيادة الصحافة في السنوات اللاحقة .. وهنا ، ازجي الشكر الى أ. د هاشم حسن عميد كلية الاعلام الذي اشار الى اسمي المتواضع في حديثه ضمن مهرجان الكلية ، وهذا وفاء ونبل ومحبة عميقة المعاني .
زميلاتي ، زملائي الجدد الذين تخرجتم ، واصبحتم على اعتاب الحياة العملية ، انصحكم ، كأب واخ ان تأتوا الى اموركم المهنية من اعلاها وليس من ادناها وان تدخلوا معترك الصحافة بهدوء ، ولا تأتوها بضجيج وان تعبروا عن افكاركم كما هي دون زيادة او نقصان حتى لا تجعلوا غيركم يجتهدون في تفسير مرادكم على هواهم ، وان تسعوا ان يكون رضاكم عن انفسكم اهم من تفوقكم على غيركم
فالعقول العظيمة تنشغل بالأفكار الإيجابية ، والعقول العادية تنشغل بالأحداث الانية غير ان العقول الصغيرة تنشغل بالناس وفي ( القيل والقال) !!
صحيح ان الزمن صار عندنا ، شيئاً ليس مثل ما عند الاخرين ، حيث تجمدت فيه الدقائق ، وغدت مثل ساعات باردة ، رتيبة ، تبدو اياما قاسية رهيبة ، والاسبوع الذي يبدأ يكاد لا ينتهي والسنة التي تطل برأسها تسقط فوق صدورنا عقداً ، بالغ البرودة والرطوبة والعفونة والتآكل ..ولهذا كله صار ابناؤنا اكثر هرماً منا ، فقدوا براءتهم تحت جليد الروتين الذي يتقاسمه النفاق ، لكن هذه الفعالية التي تبادر بها كلية الاعلام ، في كل عام تذيب كل صدأ الايام والفواجع ، وتفتح بابا للأمل ولشمس المستقبل ، فالصحافة ضوء الحياة ، وبدونها تبدو صماء بكماء ..
ان الصحافة ، مهنة مثيرة للطموح ، ومثيرة لحلم يومي يتكرر ولا يُمل، ولا يرضى بالمصادفات ، ومجاملات الآخرين ، فهو اولاً واخيراً بضاعة تعرض في السوق ، لا يقبل عليها احد إلا إذا استكملت شروطها ، وهي السبق والدقة والصدق والتحليل المنطقي والبساطة التي يفرح بها المتلقي العادي ويستسيغها المتلقي المثقف.
والصحفي الناجح ، عليه ان لا يفكر بكتابته الصحفية او تقريره الذي تبثه قناته اليوم ، وانما يجب ان يعد العدة لما سينتجه غدا لكن ذلك لا يعني ان يغض النظر عن اي خطأ مر، فالعمل اليومي يتحمل الخطأ ،غير ان ما يسعد الاعلامي ان تبقى مؤسسته الاعلامية ، ندية خضراء مرغوبة من المتابعين .
وعلى الإعلامي ، ولاسيما الصحفي ، السعي لجعل قارئه ، كشارب القهوة : يستمتع بها رغم سوادها ومرارتها ، ولا أعني هنا ، ان يكون الصحفي في كتاباته ، دائما ينحو الى تناول الاشياء الصعبة ، او يطرح الأمور بطريقة قاسية في الكلمة والمعنى ، بل اقصد ان يكون موضوعيا ، وأن يمتلك عدسة قادرة على التقاط الجوانب القابعة في دهاليز الحياة والتي تخفي وراءها الكثير من المعاناة او الجمال ، من اجل ان يسقط عليها في كتاباته من حكم ودروس التاريخ ، ما يجعلها مرتبطة بالحاضر.
اهنئكم احبتي عمادة واساتذة وطلبة في عرس كلية الاعلام السنوي .
مقالات اخرى للكاتب