"وسفة صار منتهي الولاية"..بهذه العبارة العميقة, رد أحد أنصار السيد المالكي على خبر سمعه..عمق العبارة ليس ببلاغتها, ولا بمشروعيتها, أو إن قائلها مؤدّلج ضمن تيار ما؛ إنما هي عاكسة لثقافة موروثة, ثقافة "التشبث" والشخصنة, التي لاتنسجم مع الروح المؤسساتية للدول الديمقراطية.
فكرة القائد الأوحد المسدد, تعشش بشكل مخيف في العراق, وخطرها يكمن في إنها تشمل مواقع الدولة, فالتردي لا يلام عليه المسؤول؛ بل يعلّق على شماعة الآخرين تحت عنوان "ماخلوه يشتغل"..!
بقاء المالكي على رأس أي حكومة جديدة, يعني التسليم بالأوضاع الحالية, والقناعة بما وصلنا إليه من دمار؛ وهذا يعكس عجز القوى السياسية العراقية على تحريك الراكد, والخروج من نظرية "القائد الضرورة" وإلغاء النظام القائم على (القبول البرلماني)..التغيير ينعكس على مجمل الأوضاع التي يعانيها البلد, ومن هنا تأتي الأهمية البالغة لهذا التغيير المعبر بشكل دقيق عن الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة.
الإستحقاق الإنتخابي, في نظام برلماني لا يعكس أسم رئيس الحكومة؛ إنما يترجم على شكل مقاعد برلمانية, وتلك المقاعد لا تكون بمعزل عن مجلس النواب, فهي تشكل جزءً من مكونات البرلمان..ليس بالضرورة إن يحصل المرشح المعلن لأي كتلة, على القبول والإجماع داخل البرلمان, ومن غير الممكن فرضه على الأعضاء؛ وطالما صرّح ما يقارب ثلثي أعضاء البرلمان, برفض ترشيح السيد المالكي.
كل الرافضون, يمثلون إرادات شعبية, مهما أختلفت, لكنها تشترك بإرادة التغيير, الذي صار مطلباً وشعاراً إنتخابياً لأغلب تلك القوى..الوفاء بالعهد الإنتخابي, جوهراً ديمقراطياً لا يمكن النكوص عنه..الحملات الإنتخابية أفرزت مطلبين أساسيين, الأول يمثله السيد المالكي, وكتلته دولة القانون (قبل الإنشقاق), وهذا أعلن عن نفسه وعن إيمانه بحكومة أغلبية, بيد إنه فشل في تحقيقها, لذا وجب عليه الوفاء لجمهوره والبقاء ضمن إطار المعارضة البنّائة..الثاني, تشترك به كل القوى الأخرى, ذلك النهج الذي أتخذ التغيير شعاراً مشتركاً تبانت عليه القوى المكونة لأكثر من ثلثي البرلمان.
نجحت إرادة التغيير نجاحاً نسبياً, غير إن تلك النسبة أرتفعت؛ نتيجة الترحيب الداخلي والأقليمي والدولي, وبصروة غير مسبوقة..الواقع الجديد, يفتح آفاقاً جديدة, عودة الأمل بخروج العراق معافىً من أزماته, حيث وجود فرصة الجلوس مع كل القوى الداعمة للحكومة الجديدة وطلب المزيد منها.
المهمة الكبرى المرتجاة من هذا التغيير؛ القضاء على بعض الثقافات الموروثة, والقيم البالية, التي تربط مصير الدولة والشعب بشخص أو مجموعة أشخاص, فالإنطلاق بواقع جديد, سيكون له أثر إيجابي حتمي على مجمل الأوضاع..عندها يعرف (المتأسفون) إن الأمم لا تُبنى بخطاب التأجيج, بل بالسعي الحثيث لسحق الأزمات.. حريٌ بهم, الأسف على ماضاع في ظل حكومة فاقدة للأهلية..!
مقالات اخرى للكاتب