لم تعد اسطورة الرجل القوي ملهمة في عقل الغرب السياسي. سقط الرجل القوي في اوروبا وسقطت معه دول كثيرة تعشق العمل تحت هكذا نظام. سقطت افكار الحداثة التي احتضنت مفردات الماكنة والثورة والحركة والسرعة وانطلقت منها في تمجيدها للرجل القوي. سقطت تلك البدائية المجنونة التي تمجّد بحروب الآلة وصناعة الموت في اوروبا. سقطت وانهارت كل تلك الاعراض الداعية لنخبة "الرجل الخارق". سقطت النازية وهتلرها في المانيا. سقطت المستقبلية الايطالية ورئيسها بينيتو موسوليني. ذلك الذي كان يقول في الحشود "هناك حقيقة واحدة فقط، انه المستقبلي الاعلى والمطلق ... انا الدوق بينيتو موسوليني" *
ليس ثمّة رجل قوي بقي الاّ في تصوراتنا نحن شعوب الشرق الاوسط المنكوبة. اسطورة تسيّدت مخيلة مجتمعاتنا على انها الحل لمشاكلنا اليومية في حين انها سبب مباشر في كل ما نمر به اليوم.
في العراق، عدد غير قليل يبحث عن رجل قوي ليحكم البلد. يريدون السيد المالكي لانه رجل قوي كما يزعمون. يريدونه لولاية ثالثة لقوته وحزمه وسطوته. هكذا يظن بعض اخوتنا الاعزاء في البلد الممزق المسمى العراق.
فبدلاً ان يبحثوا عن دولة قوية باقتصاد قوي ورفاهية قوية راحوا يفتشون عن رجل قوي
بدلاً ان يبحثوا عن مؤسسات قوية وديمقراطية قوية صاروا دعاة للرجل القوي
بدلاً ان يطووا صفحة الرجل القوي بسقوط الدكتاتورية صاروا يعلنون عن حنينهم لمثله
ألم يكن صدام رجلاً قوياً؟
بلا، كان قوياً وبنى دولة قوية كذلك، لكنها دولة استمدت قوتها من مؤسساتها الامنية ومن جيشها وشرطتها واستخباراتها ومخابراتها. دولة المؤسسة البوليسية كما نسميها آنئذ.
لم تكن قوتها من اقتصادها وصناعاتها وازدهارها او من نظامها الديمقراطي القابل بالاختلاف والمعارضة.
هل نسينا كيف كان ذلك الرجل القوي يخنقنا بسلطاته البوليسية تلك؟ كنا امواتاً لا نقوى على الحركة في ظل ذلك النظام المهووس بالسلاح واللباس الزيتوني. فلماذا نهوى استنساخ تلك التجربة الفاشلة مرة اخرى؟
دعونا ندعو لدولة مؤسسات قوية ونقبر اسطورة الرجل القوي الى الابد كما قبرتها قبلنا اوروبا. قوة الدولة في مؤسساتها واقتصادها وتعدديتها الفكرية والسياسية لا في حكامها او ملوكها. دعونا نخرج من قائمة تلك الدول التي لا تُذكَر الاّ بسلاطينها ورؤسائها فقط، ونسعى الى دولة يذكرها العالم بازدهارها ورفاهيتها.
هكذا هي دول العالم المحترمة.
مقالات اخرى للكاتب