قد يعتقد البعض ان هذا عنوان متطرفا لوصف حكومة حيدر العبادي, فهنلك من يقول بان حكومة العبادي هي حكومة "وحدة وطنية" تضم الجميع من سنة وشيعة واكراد. غير انهم تناسوا بان حكومة المالكي كانت تضم نفس الاطراف العرقية والطائفية الثلاث, و نفس الاحزاب السياسية وحتى نفس الاشخاص المنضمين في حكومة العبادي, وذلك قبل ان يجمد بعضهم مشاركتهم في حكومة المالكي مع البدء بتنفيذ عملية الانقلاب النفطي عليه . ان حكومة العبادي الجديدة قامت على نفس اسس حكومة المالكي معتمدة على سياسة "المحاصصة الطائفية" التي كانت وستبقى العامل الحاسم في تقسيم العراق, غير انها تتميز عنها بانها حملت الى مراكز القرار السياسي والاقتصادي الاساسية في الدولة قوى الظلام والتقسيم الثلاثي, ال الحكيم و ال البرزاني وال النجيفي واستحقت شرف تسميتها بحق بحكومة "اسؤ السيئين" ممن في العملية السياسية.
فما هي اهداف الانقلاب الامريكي من اسقاط حكومة المالكي والمجئ بحكومة العبادي؟
كنت قد بينت في مقالات سابقة واخرها مقالتي بالانكليزية على موقع USLAW بتاريخ 28 تموز 2114 وترجم الى العربية ونشر على موقع "المثقف" في بداية شهر اغسطس (1), الاسباب التي اوجبة ضرورة تغير حكومة المالكي ومنها الهزيمة الساحقة للجيش العراقي امام تنظيمات داعش و تنظيمات بعثية اخرى في محافظات نينوى و صلاح الدين وديالى وكركوك اضافة الى الانبار, والذي تقع مسؤليته على حكومة المالكي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة لمدة ثماني اعوام, ولتفشي الفساد في جميع اجهزة الدولة واستمرار انعدام الامن والفشل الاقتصادي الكبير. لقد ذكرت بانني اعتبر المالكي "باحسن السيئين" بين قوى العملية السياسية, غير ان هزيمته امام داعش وقوى البعث الاخرى حتمت ضرورة تغيره بحكومة جديدة. واقترحة كمحلل ان تتكون حكومة جديدة بقيادة الشهرستاني او حتى الجعفري ذات برنامج سياسي وطني بعيد عن سياسة التقاسم الطائفي والتخلص من الفاسدين المسيطرين على كل اجهزة الدولة, واعادت تكوين الجيش العراقي وتكوينه على اسس وطنية,و تبتعد عن المخططات الامريكية الصهيونية في العراق ومنطقة الهلال الخصيب و الشرق الاوسط بكامله.
ان هذا التحليل لن يكون نضريا بل سيعتمد على الخطوط الاساسية لما ورد في البيان الوزاري لحكومة العبادي ونوع الوزراء وخاصة وزراء النفط والمالية وهما اهم وزارتين لتنفيذ الانقلاب النفطي, وهو مكمل للتحليل السابق والتي اثبتت الاحداث السريعة على الارض دقة ما ورد فيه. ولذا فلن اعيد تثبيت النقاط السياسية التي غطيتها سابقا, حيث سيكون هذا التحليل محاولة لفهم التطورات الهامة التي حدثت على الساحة السياسية العراقية في الاسابيع الستة الماضية.
ان الاهداف الاساسية المبتغات من اسقاط المالكي والمجيئ بحكومة العبادي هي:
1- ان مخطط الادارة الامريكية للعراق في هذه المرحلة هو تحويله من دولة "فدرالية" الى ثلاث دول تحت مضلة "كونفدرالية" تضم ثلاث دول ضعيفة ومتخاصمة ومستقلة في سياسياتها ومخططاتها واقتصادها, تقوم على اسس طائفية وعرقية ترتبط فيما بينها من خلال حكومة ادارة مركزية ضعيفة لا سلطة حقيقية لها على دول "الاقاليم الثلاث", وهذا ما كان المالكي يعارضه وجعلته يقف بوجه سياسات البرزاني الانفصالية.
2- كانت سياسة حكومة المالكي والتي خططها الدكتور الشهرستاني في مجال الطاقة كاستخراج النفط والغاز وانتاج الكهرباء, تتركز على الابقاء على ملكية الدولة لها على الرغم من العيوب الكبرى لعقود النفط والغاز الممنوحة للشركات الاجنبية والتي وقعتها الحكومة الفدرالية والتي منحت الشركات جزء هاما في السيطرة على الانتاج والتي تمتد الى 30 عاما وعلى ابقاء الاقتصاد العراقي اقتصادا ريعيا. غير ان المادة 111 من الدستور منعت عمليا امكانية تخصيص الثروات الهايدرو كربونية عندما ذكرت بان هذه الثروات هي لجميع ابناء الشعب العراقي, وهذا ما اعاق مخططات شركات النفط العالمية الكبرى في الحصول على اتفاقيات المشاركة في الانتاج التي هي عمليا تخصيص للثروات النفطية والغازية.
غير ان حكومة اقليم كردستان قامت "بتخصيص" هذه الثروات و منحت اكثر من 68 عقدا للمشاركة في الانتاج للنفط والغازالى مختلف شركات النفط العالمية ومنها شركة اكسن موبيل و شيفرون وغيرها من الشركات الامريكية والاوربية والتركية, وهذا ما جعل الحكومة الفدرالية ترفض الاعتراف بهذه العقود كما حاربت ما قامت به حكومة الاقليم في سعيها لتهريب المنتجات النفطية خارج سيطرة وزارة النفط الاتحادية.
3- ان الهدف من الانقلاب السياسي لبايدن واوكسن موبيل هو "تخصيص" الثروات النفطية في المناطق غير الكردية كخطوة تلي تطبيق المرحلة الاولى المتمثلة بان تقوم حكومة العبادي بالموافقة على سياسة التخصيص لحكومة الاقليم وذلك من خلال تمرير قانون النفط بمسودة شباط عام 2007 مع تعديلات عليه لمصلحة تثبيت التخصيص في الاقليم ومن ثم باقي الاراضي العراقية. ان تصريح كيري بعد انتهاء لقائه بالعبادي في 11 ايلول وقوله ان العبادي قد اكد له بان حكومته ستنهي قريبا جدا مشكلة الخلاف بين اربيل وبغداد حول انتاج وبيع النفط من قبل اربيل, وكذلك الخلاف حول حصة الاقليم من الميزانية الفدرالية هو تاكيد على حقيقة ما ينوي العبادي وعبد المهدي وشاويس القيام به.
ان هذا الانقلاب في حقيقته مشابه في "اهدافه" لانقلاب البعث في شباط عام 1963 والذي كان احد اهدافه الاساسية الغاء قانون النفط رقم 80 الذي اصدرته الحكومة الوطنية لعبد الكريم قاسم والذي استرجع من شركات النفط العالمية 99.5 % من الاراضي العراقية التي لم تقم تلك الشركات في حينة باية عمليات لاستخراج النفط فيها. ومن عجائب الصدف ان يكلف الدكتورعادل مهدي بان يكون وزيرا للنفط الجديد, لكي يقوم بهذه المهمة لشركات النفط العالمية والامريكية بالخصوص وللمرة الثانية, حيث كانت المرة الاولى عندما كان عضوا في حزب البعث و في الحرس القومي في انقلاب شباط 1963 حيث كان منفذا صغيرا مطيعا ومتحمسا لمشروع المخابرات وشركات النفط.
4- لتنفيذ هذه المخططات كان لابد لقوى الانقلاب الرئيسية الثلاث من السيطرة على مراكز القرار التي يستطيعون من خلالها تنفيذ مشاريعهم وهي وزارتي المالية والنفط.
فلنتفحص شخصية الوزيرين "الفاضلين" وهما:
وزير المالية- روز نوري شاويس وهو قيادي في الحزب الدقراطي الكردستاني / حزب البرزاني ومن المؤيدين الاساسيين لخط البرزاني الانفصالي والنفطي, ومتهم باشتراكه في عدد من فضائح الاختلاس المالية الكبرى, اهمها اشتراكه في اختلاس صفقة البليون دولار لوزير الدفاع السابق حازم الشعلان في حكومة اياد علاوي التي عينها الاحتلال, حيث نشر المشترك في الصفقة طلال الكعود بعد ان اختلف مع شركائه في نسب المحاصصة بان كل من مسعود البرزاني و روز شاويس واياد علاوي كانوا مشتركين في الصفقة والتي قام بتنفيذها الشعلان ثم طمر الموضوع ولم نسمع عنه شئ.
وزير النفط د عادل عبد المهدي - يحمل الجنسية الفرنسية منذ حوالي 40 عاما, لا خبرة نفطية له على الاطلاق و عين وزير مالية في حكومة علاوي التي عينها وعين وزرائها الحاكم المدني للاحتلال الامريكي في نيسان 2004 بريمر, ومن الداعين الاقوياء لاقتصاد السوق الراسمالية ومن مؤيدي الخضوع والتبعية لسياسة البنك الدولي عندما كان وزير مالية. غير دينه السياسي ثلاث مرات فبعد ان كان بعثيا وفي الحرس القومي في الانقلاب الدموي لشركات النفط العالمية في شباط 1963 ضد الحكم الوطني لعبد الكريم قاسم ,انتقل ليصبح شيوعيا عام 1969 ثم اصبح اسلاميا في نهاية العقد السابع من القرن الماضي حيث انضم الى ال الحكيم كقيادي في المجلس الاسلامي. لقب في بغداد باسم "عادل زوية" بعد جريمة سرقة البنك من قبل حراسه في منطقة الزوية / الكرادة الشرقية في سنة 2010 ,بعد ان قتلوا 3 من حراس البنك وهرب حراسه الى مقر جريدته وقد قبض على احدهم وتم لفلفت القضية فيما بعد. كما انه معروف بعلاقته الوثيقة جدا بمسعود البرزاني وبدفاعه عنه, ومن دعاة اتفاقيات المشاركة في الانتاج مع شركات النفط العالمية.
فنحن هنا امام اهم وزيرين في الحكومة الجديدة لن يجد مسعود البرزاني واوكسن موبيل افضل منهما للحصول على كل مطالبهم وباسرع مما سيتوقع اي منا.
5- ان استراتيجية السياسة الامريكية لهذه المرحلة هي ليس لضرب اوالقضاء على ارهاب داعش في العراق وسوريا, بل الاستفادة من تواجدهم وتقويتهم بشكل غير مباشر مع تحديد مناطق تواجدها في المناطق ذات الاغلبيه السنية من العراق فقط وذلك لاستعمالها كادات لتقسيم كل من العراق وسوريا الى دويلات طائفية وعرقية متحاربة فيما بينها ثم استعمالها لمحاربة ايران فيما بعد. فامريكا لم تحرك ساكنا لمساعدة الجيش العراقي بين 10 حزيران و 4 اغسطس 2014 على الرغم من سيطرة داعش على اجزاء كبيرة من العراق وذبحها لالوف الشيعة والمسيحيين والتركمان وتشريدها مئات الالوف منهم. غير انها اسرعت وفي ساعات قليلة لاسناد بيشمركة مسعود بهجوم جوي محدود لايقاف تقدم داعش العسكري السريع و منع هزيمة البيشمركة الكردية التي كانت قد تمزقت قواها وهزمت بشكل لا يقل خزيا واذلال عن هزيمة الجيش العراقي. لقد تدخلت امريكا عندما تعرضت مصالحها ومراكزها العسكرية والمخابراتية والاقتصادية المتمركزة في اقليم كردستان وخصوصا في اربيل للسقوط السريع بايدي داعش وهذا ما اكده بشكل مكشوف وواضح الرئيس الامريكي اوباما في مؤتمره الصحفي في 9 اغسطس 2014 لتفسير تدخله المفاجئ لايقاف تقدم داعش وسيطرتها على اربيل وعلى حقول نفط اكسن موبيل وشيفرون . (2)
من هي القوى السياسية العراقية الي تامرت لاسقاط حكومة المالكي والمجئ بالعبادي؟
لقد كانت الاطراف الاساسية هي حلف الاطراف الثلاث المنضوية في مشروع بايدن للتقسيم الثلاثي للعراق وهي المجلس الاسلامي الاعلى الشيعي (لعائلة الحكيم), والحزبين الكرديين الدمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البرزاني والاتحاد الوطني (جلال الطلباني), وكتلة متحدون بقيادة الاخوين النجيفي عن السنة غير ان اشتراك هذه الاطراف الثلاث للتخلص من حكومة المالكي كان مفهوما حيث كان المالكي يشكل عائقا لتنفيذ مشاريعها.
غير انه كانت هنلك اطراف شيعية اخرى من خارج هذا التحالف اشتركت في الانقلاب, وهي رافضة لسياسة تقسيم العراق, ومن ضمنهم التيار الصدري ومجموعة المستقلين الذين يكونون كتلة ضمن ائتلاف دولة القانون يقودها د شهرستاني, وكتلة تحالف الاصلاح بقيادة ابراهيم الجعفري وقادة اساسيين في حزب الدعوة اي حزب المالكي نفسه, فكيف حصل هذا؟
ان الاسباب كانت مختلفة بين هذه الاطراف, فالصدريين هم قوة سياسية وطنية شيعية كبرى لها 36 نائبا في البرلمان الحالي وتميزت بوطنيتها وببساطتها في الفهم السياسي الداخلي المعقد وبالفقر الفكري. وكانت نضرتهم وتقيمهم للوضع السياسي مشابها لنضرة شخص "مصاب بمرض عمى الالوان", فهم لا يرون من مجمل الطيف السياسي الواسع سوى اللونين الابيض والاسود. ولذا فهم كانوا واضحين في رفضهم المطلق للاحتلال الامريكي العسكري المباشر والذي كان بين اعوام 2003 و 2011 فهو كان يمثل اللون الاسود عندهم.غير ان سياستهم وعلاقاتهم بالقوى السياسية الاخرى في العملية السياسية كانت متخبطة وتنطلق بالاساس من عدائها المطلق للمالكي بعد هجومه العسكري القصير النضر وبالرعاية الامريكية البريطانية عليهم في جولة الفرسان عام 2008 . ولهذا فهم كانوا مستعدين للتحالف مع كل اعدائهم السياسيين الحقيقين السابقين من اجل اسقاط المالكي دون ان يكون عندهم اي تفهم او بعد نضر لنتائج هذه التحالفات الجديدة واخطارها على خطهم السياسي. وهكذا تناسوا عدائهم السابق لمشاريع البرزاني الانفصالية وسعيه لابقاء قوات الاحتلال الامريكية في العراق, وتوقفوا عن مهاجمته او التطرق اليه وحتى العمل على عقد الاتفاقيات معه. غير ان تحالفهم السياسي مع ال الحكيم هو الاغرب, فقد تناسوا ان ال الحكيم كانوا من اكثر من تعاون مع الاحتلال الامريكي بين القوى الشيعية ودعوا الى التقسيم الثلاثي للعراق من خلال دعوتهم الفاشلة لاقليم البصرة, وكونهم العدو الايديولوجي الاكبر لهم في داخل طائفتهم المشتركة الشيعية.
غير ان اشتراك كتلة د. الشهرستاني وكتلة د الجعفري وقادة من المكتب السياسي في حزب الدعوه في اسقاط المالكي كان غريبا جدا في ظاهره, ولكن في باطنه اصبح مفهوما. فما علينا الا ان نطلع على التسائل المطروح في الرسالة المؤرخة في 25 حزيران 2014 التي كان المكتب السياسي لحزب الدعوة قد وجهها الى المرجعية الشيعيه وللسيد السستاني بالذات حول موقفه من تغير المالكي (3), لكي نرى ان السيد السستاني قد ايد بشكل قاطع المجيئ برئيس وزراء جديد بدل المالكي. وقد كانت لهذه النصيحة الدور الاساسي في اشراك الشهرستاني المعروف بقربه السياسي والمسند من السيد السستاني وكذلك للالتزام الفكري والعقائدي لمعظم قادة حزب الدعوة وكتلة الجعفري بموقف المرجعية بضرورة تغير المالكي. وهنا يجدر الاشارة بان موقف السيد السستاني لا يعني اطلاقا اشتراكه في مؤامرة بايدن واوكسن موبل وسيطرة القوى السوداء على قررات الحكومة الجديدة في بغداد. بل هو على الغالب كان ناتجا من رؤيته بضرورة تغير المالكي بسبب فشله السياسي والاقتصادي والامني في ادرة الدولة ولتفشي الفساد في كل مرافقها وصولا الى الهزيمة المخزيه للجيش امام داعش والبيشمركة.
ان هذه كانت نفس الاسباب التي وقفت عندها لتغيير شخص المالكي في تحليلي السابق. مع اضافة انني دعوت الى المجئ بحكومة جديدة على اسس وطنية واضحة من خلال الاقتراح بضرورة ان يكون الشهرستاني هو المرشح الافضل للمنصب بناء على تجربة السنين الثماني السابقة, وبينت بوضوح ان الهدف هو منع مرشحي قوى التحالف الثلاثي السوداء لايصال مرشحهم لرئاسة الحكومة وتطبيق مشاريعهم, وهذا ما لم يحدث بسبب قصر النضر السياسي للصدريين ولكتلتي الشهرستاني والجعفري والمكتب السياسي للدعوة.
استنتاجات:
1- ان قرائة الخط السياسي الحقيقي لاية حكومة وبضمنها حكومة العبادي لا يجوز ان تبنى على التمنيات الحسنة الجوفاء, بل يجب ان تبنى على البيان الوزاري المعلن لرئيسها, وعلى دراسة تاريخ الاحزاب المسيطرة على هذه الحكومة ووزرائها الاساسيين كوزيري النفط والمالية.
2- ان الهدف الاساسي من الانقلاب السياسي الذي نظمه بايدن واوكسن موبيل هو لتغيير سياسة ااطاقة للحكومة العراقية الجديدة في مجالات النفط و الغاز والكهرباء وتخصيصها وتحويلها لسيطرة الشركات العالمية الكبرى وبالاخص الامريكية على شاكلة السياسات المتبعة في اقليم كردستان. ان هذا ما بينه العبادي بشكل واضح وعلني كهدف اساسي لوزارته في خطاب البرنامج الوزاري امام مجلس النواب في 9 ايلول عندما اعلن ان سياسة حكومته تستند على الاندماج في اقتصاد السوق الراسمالي العالمي وتخصيص مرافق الاقتصاد العراقي الاساسية بدءن بالكهرباء.
3- ان وزارة العبادي تسير على نفس السياسة الكارثية التي سلكها المالكي خلال 8 سنوات من حكمه وهي سياسة "المحاصصة الطائفية" التي كانت وستبقى اساسا لابقاء العراق دولة ضعيفة وتابعة اقتصاديا وسياسيا للنفوذ الامريكي والغربي على العراق. غير انها تختلف عنها في تحويلها لاتخاذ القرارات الحاسمة للدولة من مجموعة احزاب "احسن السيئين" التي تمثلت بحكومة المالكي الى سيطرة مجموعة احزاب "اسؤ السيئين" في حكومة العبادي الجديدة.
4- ان وزارة العبادي زادت من نفوذ القوى السياسية العاملة على تحويل العراق من دولة فدرالية ذي اقتصاد ريعي تابع للسوق الراسمالي العالمي, الى دولة "كونفدرالية" تضم ثلاث دول مستقلة فعليا تكون سوقا مسير كليا من قبل الراسمالية العالمية, وهي الدولة الشيعية بقيادة ال الحكيم, ودولة كردية بقيادة ال البرزاني, ودولة سنية تضم تفاهما وتقاسما بين ال البغدادي والنجيفي وال الدوري, دويلات تقوم على اسس طائفية او عشائرية فاشلة ومتخاصمة فيما بينها.
5- ان هجوم داعش الخاطف على البيشمركة الكردية في بداية شهر اغسطس كان لاسترداد حقول النفط والغاز الواقعة في المناطق ذات الاغلبية السنية من العراق في محافضات نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالة, والتي استولت عليها حكومة البرزاني بعد 10 حزيران بعد فرار الجيش العراقي منها, وبذلك حرمت داعش من مواردها النفطية والغازية الكبرى. وهو سيكون بداية النزاع الدموي الذي سيمتد لسنوات طويلة و المخطط له بين الدولة الكردية ودولة عرب السنة الذي اكد عليها بايدن في خطابه الاخير.
6- ان الولايات المتحدة قد اعادت سيطرتها العسكرية الجزئية المباشرة على كل شمال ووسط العراق منذ بداية شهر اغسطس , وتمثلت بشكل السيطرة الجوية الكاملة على هذه المناطق, اضافة الى ارسال المئات من جنود الاسناد ورجال المخابرات والمزيد من مجرمي بلاك وتر الى الاقليم وتزويد البشمركة الكردية بالاسلحه الثقيلة والحديثة. تم كل هذا من دون اخذ موافقة حكومة المالكي السابقة او حكومة العبادي الجديدة وبعد ان رفضت تزويد الجيش العراقي باي طائرة قتال او مروحيات او اسلحة حديثة كان العراق قد دفع ثمنها البالغ 45 بليون دولار مسبقا, ومتناسين حتى السيادة الاسمية للحكومة العراقية على اراضيا واجوائها.
7- ان بدء التدخل والسيطرة العسكرية الامريكية المباشرة لاجزاء من العراق, وسياسة حكومة العبادي التي اعلنها في بيانه الوزاري امام البرلمان والتي اتت لاكمال اخضاع الاقتصاد العراقي للاقتصاد الامريكي والغربي الكامل من خلال تخصيصه لجميع موارد الطاقة والتي كانت حكومة المالكي تعارضها, تشكل خطرا على ما تبقى من السيادة الوطنية للعراق بعد الاحتلال الامريكي في نيسان 2003 والذي انتهت مرحلته الاولى بالانسحاب العسكري الامريكي المباشر عام 2011 .
ان الاستراتيجية الامريكية للمرحلة الثانية الجديدة في العراق وسياسة العبادي المعلنة, ستخصص وتحول الثروات العراقية الهايدروكربونية الى شاكلة سيطرة شركات النفط العالمية الكبرى على نفط نايجرية وليبيا واقليم كردستان, وستجعل من امن ووحدة العراق كامن ووحدة الصومال واليمن وليبية, ومستقبله كحاضر ومستقبل السودان. فالسياسة الامريكية واحدة لكل هذه الدول التي تحولت او تتحول بسرعة الى "دول فاشلة" والتي تقع في منطقة جغرافية واحدة تقريبا, وهذا ما اكده الرئيس الامريكي في خطابه الاخير في 10 سبتمبر 2014.(4)
8- علينا ان نتوقع اولا بان تقوم حكومة العبادي/شاويس/عبد المهدي بخطوتها الاولى بالسماح خلال الايام القريبة باعطاء الاقليم ال 17% كحصته من نفط الجنوب, مع الابقاء على نفط الاكراد لمسعود والطلباني واوكسن موبل وشفرون والشركات الامريكية والاوربية والتركية الاخرى.
كما يجب ان لا نفاجا ان تم الاتفاق على تاجيل النضر في واردات النفط والغاز التي سيصدرها الاقليم من حقول كركوك وصلاح الدين ونينوى وديالى التي استولت عليها البشمركة من شركة نفط الشمال في 10 حزيران مع ابقاء وارداته حاليا للاقليم, بعد ان اعلن البرزاني انها اراضي كردية كانت متنازع عليها وتم استرجاعها, اولحين اعادة تحرير القوة الجوية الامريكية هذه المحافظات من داعش بنفس السرعة التي حررت لنا بها فلسطين من اليهود. وخاصة وان اربيل اصبحت القاعدة الرسمية للقوات الجوية الامريكية في حملتها لاستاصال ارهاب داعش حسب تصريح البنتكون في 12 من هذا الشهر.
وستكون الخطوة الثانية من حكومة العبادي وعبد المهدي الغاء اي ملاحقات دولية على الشركات العالمية المشترية للنفط المهرب من الاقليم وبضمنه معظم نفط المحافضات ذات الاغلبية السنية, والمهرب عبر تركيا من خلال انبوب النفط االجديد والذي بلغة طاقته الحالية 220,000 برميل يوميا, والتي ستصل سعته الى 1,000,000 برميل يوميا في نهاية 2015 حسب تصريح وزارة نفط الاقليم, مع غض النضر عن قيام داعش بتصدير 50,000 برميل يوميا من حقول النفط الصغيرة التي تقع تحت سيطرتها حاليا من خلال الاقليم وتركيا.(5)
9- ان تدخل المرجعية الشيعية للسيد السستاني ودعوته العراقيين جميعا لحمل السلاح لوقف هجوم داعش وقوى البعث العراقي من الاستيلاء على الحكم في بغداد, كان عملا وطنيا وحاسما لمنع الانهيار الكامل للسلطة في بغداد بعد هزيمة جيشها الساحقة في 10 حزيران. غير ان تدخله من خلال دعوته لتغير المالكي وذلك من اجل اصلاح الوضع الاقتصادي والسياسي والامني في العراق كان ناقصا اذ لم يحدد بديلا وطنيا ليحل محل المالكي.
ان هذا قد ادى الى اصطفاف قد يكون غير مقصود بين القوى الوطنية الشيعية مع قوى الردة العاملة على التقسيم الثلاثي للعراق والسيطرة الكاملة لشركات النفط العالمية على ثرواته والممثلة شيعيا بالمجلس الاسلامي من اجل التخلص من المالكي. غير انه بدل من ان يكون التكليف لشخصية وطنية وقوية كالدكتور الشهرستاني او حتى الجعفري, انتج العكس حيث تم تكليف شخصية ضعيفة وهو د العبادي, وهذا ما اسفر عن سيطرة قوى الردة السوداء الممثلة شيعيا بال الحكيم ومجلسهم الاسلامي واحزاب مسعود البرزاني والنجيفي على المرافق الاساسية للدولة في بغداد.
ولهذا فان المرجعية الوطنية للسيد السستاني مطالبة بان تاخذ موقفا حازما ضد قوى الردة والوقوف بشكل حازم ضد مخططات بايدن وشركات النفط العالمية الساعية لاعادة السيطرة الامريكية المباشرة لا على حكومة اربيل فحسب كما هو الحال الان, بل لتوسيعها لتشمل سيطرة كاملة على مقاليد السلطة في بغداد وما تكليف وزيري المال والنفط الجديدين الا مرحلته الاولى.
المهندس منير الجلبي- محلل في المحاور السياسية والطاقة العراقية 14 ايلول 2014
مراجع:
1- " الخطة الامريكية/ إلاسرائيلية لتقسيم العراق تصل إلى مراحلها الحاسمة",
http://almothaqaf.com/index.html/qadaya3/883209.html
2- President Obama Says New Campaign in Iraq May Take Time
http://abcnews.go.com/Politics/video/president-obama-campaign-iraq-time-24913727
3- كيف ولماذا تنحى السيد نوري المالكي؟
http://www.sistani.org/arabic/in-news/24950/
4- Barack Obama authorises air strikes against Isis militants in Syria
http://www.theguardian.com/world/2014/sep/10/obama-speech-authorise-air-strikes-against-isis-syria
5- Iraqi Kurdistan oil pipeline export capacity to double
http://www.reuters.com/article/2014/08/19/us-iraq-security-oil-kurdistan- idUSKBN0GJ14K20140819
مقالات اخرى للكاتب