وَلَدِي كان بِحاجةٍ ، الى " دولاب " لغرفتهِ .. فذهبتُ قبلَ يومَين الى مَحل نِجارة .. فتبيَنَ ان الأسطة صاحب المحل تُركي ، ولايتكلم الكردية ولا العربية ولا الإنكليزية ، فكانَ أحد عُماله وهو من كُرد تُركيا ، يقوم بترجمةٍ ركيكة .
ويوم أمس ، تذّمرتْ المَدام ، بسبب عَطلٍ في الغّسالة .. فبحثتُ عن كارت المعرض الذي إشترَينا الغسالةَ منهُ .. وإتصلتُ بهم .. فَرّد شخصٌ ، بالكاد إستطعتُ إفهامه بالمُشكلة ، لأنه كما ظهر ، من تُركيا ولا يُجيد الكردية أو ان لهجته غير مفهومة بالنسبة لي ، ووصفتُ له العنوان ، فقال أنه سوف يأتي عصراً ، لتصليحها .
صباح اليوم .. ذهبتُ الى الفرن ، لكي أجلب خبز الشعير الأسمر ، فكان عُمال الفرن يرطنون بالتُركية فيما بينهم .. لكن العامل تحدث معي بالكُردية ولما سألته ، قال نحن جميعاً من كُرد تركيا .
من الفرن ، توجهتُ الى محطة تعبئة البنزين القريبة .. فكان العاملان الموجودان على المضخات ، يتحدثان بالتُركية .. ولأنه لم يكن هنالك إزدحام في ذلك الوقت من الصباح .. فلقد غسلتُ السيارة أيضاً في المحطة ، وكان العُمال الأربعة الذين يمسحون ويجففون بعد الغسل ، من كُرد تركيا أيضاً ! .
هذه المشاهد الواقعية مئة بالمئة ، مررتُ بها خلال اليومَين الماضيين فقط .. وفي مجالات تتعلق بالحياة اليومية العادية .. وهنالك العديد من الأمثلة المُشابهة الأخرى بالتأكيد . ناهيك عن ( البضائع ) بِمُختلف أنواعها .. التي مَنشأها تُركي .
كُنَا ننتقد دُول الخليج ولا سيما الإمارات .. التي تحولت مُدنها الى تجمعات للهنود والباكستانيين وغيرهم .. حيث يعملون ويخدمون .. والغالبية من أهالي هذه الدول ، لايعملون في الواقع ، بل يعتمدون على العَمالة الاجنبية في كل شئ . وهانحنُ أيضاً ( رغم البون الشاسع بيننا وبين دول الخليج المتقدمة عمرانيا وخدميا وصحيا وتعليميا ) .. بدأنا في السنوات الأخيرة ، بالإعتماد على الأجانب في مختلف مناحي الحياة .. فالشركات التركية والإيرانية ، بالآلاف تعمل في الأقليم .. وبضائعهم تغرق أسواقنا .. حتى قطاع الخدمات ، بدؤوا يتغلغلون فيه .
الدول الصناعية الكبرى ، تستعمرنا اليوم من خلال تكنولوجيا المعلومات والإنترنيت والهاتف النقال " فمَنْ من الجيل الجديد ، يستطيع اليوم العيش ، بدون موبايل وإنترنيت ؟ " .. في حين نعجز نحن عن تصنيع أجزاء بسيطة من هذه التكنولوجيات أو إدامتها أو السيطرة عليها ، دون الإعتماد على الغرب المُصّنِع .
تركيا وإيران ، يستعمروننا من خلال شركاتهم التي ملئت الأقليم .. وبضائعم المختلفة ، وحتى خدمة المنازل وتنظيف المستشفيات وجميع انواع الحِرف والأعمال .. ونحنُ مُرتاحون وغافلون ونائمون وأرجلنا في الشمس ! .
ألا تَبّاً للنفط .. ألا تَبّاً لسوء الإدارة والفساد وعدم التخطيط والتفريط بحاضرنا ومستقبلنا .. تَبّاً لهذه الموارد الهائلة ، التي أتاحتْ للحكومات المتعاقبة ، أن تجعل مِنّا ، شعباً كسولاً إتكالياً ، طُفيلياً غير مُنْتِج ! .
مقالات اخرى للكاتب