كنا نتجول فمررنا من أمام دار الإذاعة والتلفزيون في الصالحية..كان يتحدث عن آلامه وهمومه التي هي آلام وهموم كل مثقف مضطهد من صدام و(لانظامه) الذي لا يريح جرب غبائه إلا بأن يطليه بأعماله الزفت.. فالتفت اليّ وأشار إلى دار الإذاعة والتلفزيون وقال بأسف: هنا قتلوا الحسين بن علي! يقصد الزعيم عبد الكريم قاسم. فتذكرت عظيم ما فقدناه من أسباب الحياة الكريمة التي حققها الزعيم المرحوم، وما افتقدناه من خير وطني بسيادة الطائفية والعرقية والمحاصصة والتفسيخ والتفصيخ، واستحالة مجيء زعيم يحقق الوحدة الوطنية ويكون رأساً منطبقةً تماماً مع جسد الشعب.. وان قتل الزعيم كان بداية انفراج الثقة المطرد بين القيادة والشعب، لذا صار الزعيم رمزاً لكل سمات الخير وأسباب السعادة والكمال الوطني.. وهو أيضاً مثل الحسين (ع) سعى لانقاذ العراقيين وسعوا في قتله.. فكتبت أصف الموقف أو تركت الزعيم يرثي نفسه:
قتلوني فهذهِ الأرض طفّي وكثيراتٌ في العراق الطفــوفُ
لم يقتَّل فيه الحسينُ وحيداً بل رأى ما رأى الحسينُ ألـوفُ
ومصابي بكربلائي مصابٌ سوف يبقى والدمعُ فيهِ ذروفُ
ودمايَ التي على الشَّعب سالت هي منِّي وجسمه المــــــنزوفُ
حينَ أرديتُ لم أجد غير نفسي وصحابي إذ أسلموني وقـــوفُ
وخطاي العطشى تَصَبَّبُ جرحاً حيث ألقى بها المصيرُ الرسيفُ
حين ناديتُ بالحقيقة حاطتنـــــــــــــــــــي كروبٌ وعاجلتني حتوفُ
وهوى سيفُ بغيهم فوق رأسي كي يظلَّ الخنا وتبقى السدوفُ
فاستحالتْ من بعد موتي حياة لمماتٍ، وكلُّ شيءٍ يخيــــــفُ
ان شعباً عنِّي تخلَّى عديم ودليلاً يقودُهُ مكفــــــــــــوفً
وبذوراً زرعتها للغدِ (الهشِّ) رعاهـــــــــــــا دون الربيعِ الخريفُ
قتلوني وفي العيون دموعٌ وبنفسي حزنٌ عليهم منـــيفُ
واضطرابي ما زال نفس اضطرابي حين أسعى لأجلهم وأطــــوفُ
إن دنيا تغتال مثلي لمغناج لعوب لا يرتضيهــــــــــــــــــــا شريفُ
وحياة فقدتها لحيـــــــاة أنا فيها معذبٌ ملهــــــــــوفُ
فلتذرِّ العيونُ دمعاً على عمري التقضَّى وكلُّــــــــــــــــــــه تأفيفُ
ولتغنِّ الأيامُ ألحانَ أحزاني فيشفى بها سقيــــــــــــــــــــــمٌ أسيفُ
ولتنادِ الرياحُ من جانب القبــــــــــــــــر: هوتْ راية وماتَ رفيفُ
وأريحَ الجهادُ واستوقفَ الزحفُ ونامتْ ملءَ الجفــــونِ السيوفُ
أيها القبرُ ما شفيتَ جروحاً بفؤادُ ولا اختلاني النزيـــــفُ
فلتسجَّلْ هذي الحروفُ على قبري لتبقــــى عنِّي تقــــــــول الحروفُ
أنا من عاش للعراق وأردي خانني الشعبُ لم تخُنّي الظروفُ
أ.م. د محمد تقي جون
مقالات اخرى للكاتب