القصير بلدة سورية سيطرت عليها الجماعات التكفيرية الارهابية وحولتها الى قاعدة للإرهاب في المنطقة. فنظرا لقربها من الحدود اللبنانية أضحى لبنان مرتعا لنشاط تلك الجماعات التي نفذت العديد من العمليات الإجرامية فيه والتي تسببت بسقوط مئات الضحايا من المواطنين الأبرياء. وقد احكمت قوى الارهاب قبضتها على المدينة وتحصنت في داخلها بعد ان حفرت الأنفاق وكدست العتاد وتسلحت بمختلف انواع الأسلحة.
غير إن تلك الجماعات المعروفة بإجرامها وقساوتها وكثرة عدد افرادها التي بلغت الثلاثة آلاف مقاتل وبضمها للعديد من الإنتحاريين، هزمت شر هزيمة امام قرابة الثلاثمئة مقاتل عقائدي مخلص ومضحي نجحوا في تطهير البلدة من دنس الإرهاب وشتتوا شمل تلك الجماعات التي قتل معظم افرادها فيما أسر آخرون وهرب البعض، في ملحمة كتبها التاريخ باحرف من نور وأثارت إعجاب الإعداء قبل الاصدقاء.
واليوم وبعد عدة اشهر على واقعة القصير يتكرر سيناريو آخر هذه المرة في العراق ولكن بصورة معاكسة. فقد نجحت تلك الجماعات التكفيرية وبعدد من الافراد لا يتجاوز تعدادها الألف مقاتل ضال ، نجحت في السيطرة على مدينة الموصل وهي مركز ثاني اكبر محافظة في العراق بعد العاصمة بغداد. وذلك بعد ان هزمت ثلاث فرق عسكرية حكومية هي كل من الفرقة الثانية والثالثة من الجيش العراقي والفرقة الثالثة من الشرطة الاتحادية! علما بان تعداد افراد هذه الفرق لا يقل عن مئة الف مقاتل مسلحين بأفضل الأسلحة.
فكيف هزمت تلك الجماعات في القصير أمام ثلة من المقاتلين الاشداء فيما هزم جيش جرار أمامها في العراق؟ لا شك ان هناك أسباب مختلفة تفسر ما حصل الا ان أهم عاملين ساهم في تحقيق النصر في القصير وفي وقوع الهزيمة في العراق هي القيادة والبناء العقائدي للمقاتلين. فالأبطال الذين هاجموا في القصير تم إعدادهم عقائديا ، فهم متطوعون يدافعون عن الدين والمذهب والوطن، لم ينضموا للقتال طمعا في الإمتيازات وفي المال وفي الرتب العسكرية او بحثا عن مكانة اجتماعية او لتحقيق طموحات سياسية، بل هدفهم هو النصر او الشهادة ولذا فنجحوا في هزيمة ارهابيين يفوقونهم عدة وعددا وهم عقائديون رغم عقيدتهم الباطلة .
لا شك بان هؤلاء الابطال ماكان لهم ان يحققوا ذلك النصر المؤزر لولا وجود قيادة مضحية ومخلصة وغير فاسدة. فعندما يقدم قائد مضحي ومقاتل ابنه ضحية من اجل القضية فان اتباعه يستجيبون لنداءاته ويصبحون رهن اشارته ويندفعون مضحين بالغالي والنفيس في سبيل عقيدتهم. واما عندما تكون القيادة فاسدة حتى النخاع والمنظومة الحاكمة لاهم لها سوى الصراع على المناصب والامتيازات وعندما يتولى قيادة الجيش إنتهازيون ومجرمون ساهموا في صنع الدكتاتورية الصدامية وتلوثت ايديهم بدماء الابرياء من العراقيين ومن ابناء شعوب المنطقة ، فيكرمهم القائد العام للقوات المسلحة بتسليمهم قيادة الفرق والقوات المختلفة فهل سيضحي هؤلاء بأنفسهم ويكونوا قدوة للجند وهم الذين يولون الدبر عند اول مواجهة؟
وهل يتوقع من جيش هدف معظم منتسبيه الرواتب العالية والامتيازات وحماية المصالح الحزبية الضيقة ، فهل يتوقع من مثل هذا الجيش ان يضحي من اجل الوطن؟ لقد فشلت القيادة العراقية الفاسدة في إعداد جيش عقائدي يدافع عن الوطن برغم الامكانيات المادية والبشرية الهائلة التي يتمتع بها العراق، لأنها لم تقدم النموذج الامثل والقدوة، قيادة فاسدة حتى النخاع لايهمها سوى مصالحها وهيمنتها على السلطة ، وقادة عسكريون بعثيون فاسدون متآمرون فضلهم القائد العام على المناضلين وكرمهم ورفعهم بل واستعان بمن كان يحرض على الارهاب في العراق. فهل يرتجى من جيش هذه قيادته بهذا المستوى من الانحطاط ان يدافع عن الوطن؟
العراق بحاجة الى قائد مخلص تتطابق افعاله مع اقواله، يرسل ابنه الى سوح القتال ويستعين بالمناضلين والمخلصين ، ويطهر مكتبه ودولته من البعثيين المجرمين والانتهازيين وبعدها يدعوا العراقيين للقتال ، واما القادة الذين حولوا المنطقة الخضراء الى مركز للعهر والفساد واسس ابنائهم مراكز للفساد والرذيلة في دول الجوار، قيادة سرقت المليارات من اموال العراق وسقطت في الحضيض وانغمست في الملذات حتى نسيت نفسها فنساها الله ، فحاشى لله ان ينصرها وحاشى لله ان ينصر اتباعها فلاعجب ان لم يستجب احد لنداءاتها بعد ان قتلت روح التضحية والفداء وقدمت نموذجا هو الأسوأ في تأريخ الصراع مع قوى البغي والظلام.
مقالات اخرى للكاتب