أعتقد ان الحَد الفاصل ، بين " الإتزان " و " التَهّوُر " .. هو تلك اللحظة ، التي تتحدث فيها وأنتَ مُنفَعل أكثر من اللازم ، أو تتخِذ قراراً في لحظة غضب . وأرى ان ذلك ، لاعلاقة له ، أحياناً .. بالعُمر أو التجارب .. فهنالك بعض البشر ، رغم بلوغه النُضج عُمريا ، ومروره بِمُختلف المواقف .. فأنه يَتسِم بالنزق ، وذو طبيعةٍ نارية تشتعل بسرعة ، ثم تخبو بسرعةٍ أيضاً ! .
وحين أقول " مُنفعِل أكثر من اللازم " ، فلا أقصرُ ذلك على الحُزن والغضب فقط ، بل على الفرح والحبور أيضاً .. فالبعض ، حينَ يستمتع في جلسةٍ مع الأصدقاءِ مثلاً ، ويشرب كأسَينِ إضافيَين ، ويكون مُنطلقاً وتمام التمام .. فأنهُ يُوعِد وعوداً في غاية الأهمية والخطورة .. وحينَ يكون بين الجالسين ، مَنْ ينتظر بِلهفة مثل هذه الوعود .. فأنه يستغلها على أحسن ما يرام ! .. وفي العادة يكون هؤلاء الإنتهازيين هُم المستفيدين بالطبع ، من " الحماقة " التي تَفّوهَ بها صاحبنا في بُرهة إنشراح ! . " ولقد كنتُ شاهداً في العديد من المرّات ، على مثل هذه المواقف .. التي يستحي فيها الواعد ، ان يتملصَ من وعدهِ في الصباح التالي ، حين يصحو.. في حين ان الموعود ، يبدأ بِكُل جِدية ، في الإجراءات اللازمة للتنفيذ "!.
أما عن لحظات الغضب ، التي يتورطُ فيها الإنسان ، فَحّدِث ولا حَرج . فطالما يندمُ المرءُ عن فعلٍ قامَ بهِ في مثل هذه الأحوال ، أو قولٍ خرجَ منه . وقسمٌ من هؤلاء ، سُرعان ما يعترف بأنه أخطأ ، وأنه نادم على ما تفوه بهِ أو ما توَعدَ به أو وعدَ .. ولكن بتكرار هذه الأخطاء و" تكرار الإعترافات والإعتذارات " .. فأنه يفقد تدريجياً وزنه في المُجتمع .. بحيث يغدو شخصاً مزاجياً ، لايأخذهُ أحدٌ على محمل الجد .
أما النوع الآخر ، العنيد ، الذي يدركُ جيداً في قرارة نفسهِ .. أنه إستعجلَ وتَسّرَعَ ، عندما كانَ غاضباً أو منفعلاً .. وأنه إتخذَ قرارات حمقاء .. فأنه بالرغم من ذلك .. يستنكف ان يعترف بذلك .. ويَصُر على موقفهِ .. غيرَ مُبالٍ بالنتائج التي تكون أحياناً ، كارثية بالنسبة له وللقريبين منه ! .
السريعي الإنفعال والسريعي الغضب ، من السهل التأثير عليهم ، عادةً .. وكذلك إمكانية تَوّقُع ردود أفعالهم ، غالباً ، وبالتالي مُعالجة ما يترَتَب على ذلك من أمور .
في حين ، ان الذي يكظم غيضه ، ويخفي إنفعالاته ، ويُسيطر على أعصابهِ .. يكون من الصعب ، معرفة ما يدور في خُلده .. ولا قراءة ما يجيش في نفسه . أعتقد ان الذي لا يُظهِر فرحه في مناسبات الفرح ، ولا مرحه في أوقات التسلية ، الذي لايضحك من القلب .. والذي لاينفعل ، لّما يستدعي الموقف ، الغضب .. والذي لا يَرُف له جفن ، في اللحظات المُرّوِعة ... ذاكَ يجب ان تخشاهُ بالفعل ! .. ذاكَ ، عليكَ ان تحسب له ألف حساب .. فأنتَ لا تدري في الواقع ، كيفية التعامُل معه .. ولا تعرف من أينَ ستأتيكَ ضرباته ! .
طبعاً .. لا أعني على الإطلاق : ان مُعاشرة " المُتهّوِر " ، أسهل ومأمونة العواقب .. ولا ان مُخالطة " المُتَزِن " ، صعبة ومحفوفة بالمخاطر . فقط أردتُ إلقاء الضوء ، ومن زاويةٍ ضيقة ، على بعض الشخوص الذين نتعايش معهم .
مقالات اخرى للكاتب