لم تستطع الاحزاب والكتل التي تتقاسم السلطة والمناصب في الحكومة العراقية تجاوز خطوط التوزيعات الطائفية والقومية التي شكلت اساسا لما يُعرف بالعملية السياسية. فقد احتفظ الشيعة برئاسة الوزراء والسنة برئاسة البرلمان بينما آلت رئاسة الجمهورية على الكتلة الكوردستانية.
لكن ما يثير الغرابة هو تنصيب السيد سليم الجبوري رئيسا للبرلمان ! وهو امر محير حقا، فالسيد الجبوري متهم بـ 4 ارهاب، واصدرت المحكمة الاتحادية مذكرات واحدة تلو الاخرى لرفع الحصانة عنه الامر الذي لم يمتثل ولم يستجيب له السيد النجيفي وتلقى بسببه اللوم والتقريع، ومذكرة اخرى طالبت بالقاء القبض عليه اوقف تنفيذها تمتعه بالحصانة.
وبناء على هاتين المذكرتين اجتثته مفوضية الانتخابات وحرمته من حق الترشح للانتخابات التشريعية، لكن، وبصفقة لم تعرف بنودها، اسقطت المحكمة الاتحادية عنه جميع التهم وخرج خفيفا نظيفا من كافة الشوائب، واصبح محل ثناء ومدح بعد ان كان محل ذم وقدح و سيرة سلطت عليها السنة اعضاء دولة القانون، فجعلوا منها مضغة كانوا يتسلون بلوكها في اللقائات التلفزيونية.
واذا كانت اسقاط التهم عن السيد سليم الجبوري صفقة تم عقدها مع دولة القانون، فما هو السبب الذي دعى الكتلة السنية ان ترشحه لهذا المنصب السيادي الكبير وتوليه مسؤلية قيادية حساسة في ظل حالات التازم الشديد الذي يتسم بها الوضع السياسي العراقي بشكل عام و حالة التشنج بين زعيم كتلة متحدون اسامة النجيفي والسيد المالكي زعيم كتلة القانون بشكل خاص؟
وماهي الامتيازات التي يتمتع بها السيد الجبوري دون سواه وهو لم يكن شخصية مؤثرة او وجها سياسيا نافذا او كارزيما اجتماعية؟
انها حالة نادرة ولا تحدث الا في عراق العجائب والغرائب، حيث لا يكتف باسقاط التهم عن السياسيين المتهمين بالارهاب والفساد انما يتم ترشيحهم لمناصب عليا.
ان ما يدعو الى الريبة والشك، هو ان المحكمة الاتحادية تسقط كافة التهم بجلسة واحدة مع انها التهم من النوع الثقيل والمعزز بالوثائق والاعترافات والادلة، اذ ان اتهام عضو برلماني ليس امرا عاديا.
وعلى العموم، ليس لنا من مآخذ على السيد سليم الجبوري، عضو الحزب الاسلامي وجيشه الاسلامي الارهابي سابقا، وعضو ديالى هويتنا حاليا، ليس لنا مآخذ عليه مع انه، ولعله محقا، كان من الذين يصفون قانون 4 ارهاب بـ 4 سنة مع انه كان من ضمن الموافقين على تشريعه.
اللافت ان اغلب الذين شملهم هذا القانون، اما تم تهريبهم من السجون بعمليات لم يكشف احد اسرارها او تم تسهيل هروبهم عبر المطارات دون القاء القبض عليهم ، او اسقطت عنهم التهم فيما بعد بصفقات تم ابرامها مع دولة القانون وتمتعوا بعدها بامتيازات السلطة، مثل مشعان الجبوري وسليم الجبوري، او شملتهم المصالحة الوطنية فوزعت عليهم الاموال والقصور واصبحوا من الطلقاء.
وبقيت 4 ارهاب مادة للتهديد لا تختلف عن ملفات تهديدات المالكي، سيف من خشب.
لا نستطيع تفسير الامر الا حسب المثل الذي يقول ان الطيور على اشكالها تقع، ونعني بذلك ، ان الاسلاميين الشيعة، اكانوا اسلاميين دعوة او كانو اسلاميين مجلس اسلامي اعلى، يفضلون ان يتسلم الاسلاميون المناصب العليا، لانهم على شاكلتهم، حتى لو كان هؤلاء الاسلاميين خصوما لهم ، او كانوا من القائلين بان الشيعة اولاد متعة واحفاد العلقمي، او حتى لو كانو من المتهمين بالارهاب، على ان يستلمها علماني وان كان وطنيا مخلصا نظيفا من ادران الطائفية وبعيدا عن زبالتها التاريخية.
الان وبعد هذه المحاصصة العلنية التي جرت امام اعين العراقيين كافة، والتي كانت اشبه ما تكون بعملية خلاعة فاضحة عرضت على شاشات التلفزة دون خجل، لا يحق لأي عضو من اعضاء الاحزاب المتنفذة، شيعيا او سنيا او كورديا ذم المحاصصة والحديث عن سيئاتها، او التشكي والتذمر منها، فقد اشترك الجميع في تدنيس عرض الديمقراطية وتحويلها الى عاهرة يتصارع القواويد على اخذ حصصهم منها.
مقالات اخرى للكاتب