في بلد البترول وفي ارض السواد تملئ التقاطعات المرورية وجوهٌ سمراء قد غيّرتها حرارة شمس العراق التي هي الأُخُرى تؤازر الإرهاب وتشد من أزره ,, وجوهٌ وعيون لا تبصر إلا السيارات وآمال عريضة قد قُطعت وذُبحت وقُتلت أمام إشارة المرور,, كم كان صوت التغاريد جميلا عندما زفت (القابلة) نبأ لأهل المولود الجديد ها قد جائكم (ولد) لقد سلمتم من هجاء القران ((وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به)) لكن ما قيمة هذا الولد المسكين وما ذنبه وقد ذبحت براءته وآماله وتطلعاته بطعنة الفقر والحاجة فهو لا يعرف مكانا غير التقاطعات ولا يرى ألوانا غير الأحمر والأخضر ولا يرى الا وجوها مكفهرة غاضبة ومزاجاتٌ عكرةٌ جدا نتيجة لظروف العراق حيث القتل والدمار والإرهاب والبطالة إضافة إلى الطقس الحار,, يقف أولئك الأطفال بكامل برائتهم وعفويتهم التي تنحسر يوما بعد يوم بفعل تواجدهم في محيط اجتماعي غير مستقر وغير واعي لما يدور حوله,, تجد أولئك الأطفال محاصرين تلاحقهم عيون المارة بين متعاطف معهم وبين ساخر منهم وبين أشخاص تنقض عليهم بلا رحمة فتقتل براءتهم ويتحولون بعدها إلى جرثومة تنخر جسد المجتمع وتصب عليه كل آلامها التي عاشتها أيام الفقر والحرمان والاضطهاد الاجتماعي الذي أحسوا أثر تواجدهم في تلك الأماكن وهم يرون أبناء جيرانهم يتمتعون بالحماية الأسرية من الناحية المادية والنفسية والتقدير الاجتماعي ,,أينما تذهب تجد في التقاطعات المرورية هذه البراءة مقتولة علنا وأمام أنظار الجميع من المجتمع والمسئولين والجهات الدينية ومنظمات المجتمع المدني حيث تجد هؤلاء الصغار يقاتلون الحر والبرد ويقفون لفترات طويلة من اجل كسب فتات الخبز الذي يأكله البعض وهو جالس في مكانه لان الصدفة جعلت أباه مسؤولا !! دون ان يوجد هناك وخز ضمير للحكومة ولا المجتمع ولا أولئك الذي ينثرون آلاف الأطنان من الطعام من اجل إحياء الشعائر وهل إحياء الشعائر هي التنكر للمساكين والفقراء ان مئات الحسينيات والمساجد الآن خالية من المصلين لان الفقراء والمساكين وهم غالبية المجتمع لم يروا منها برنامجا واحد لرعاية طفل محتاج او يتيم !! لماذا لا يتم توجيه الناس وجهة حقيقية في الصرف على أنفسهم وتطوير بُنيتهم الاجتماعية من خلال مؤسسات رعاية الأطفال واستخدام كل وسائل الإعلام الدينية من اجل توجيه الرأي العام للناس حول الفقراء و هؤلاء الأطفال بالذات ومعالجة مشاكلهم ,,نعم الدولة هي المسؤول الأول ولكن هذا لا يمنع أن تقوم الجهات الدينية بدور رعاية هؤلاء وتوجيه الناس بفتاوى وخطابات ,, لماذا يقف هؤلاء الأطفال هنا ولماذا دخلوا معترك الحياة والعمل وهم في سن البراءة من يتحمل مسؤولية هؤلاء الذين اكتووا بنار الفقر كيف لنا ان نبني وطن ونحن نفرط بأجياله كيف لنا ان ندعي بان الإسلام دين التكافل الاجتماعي وان الخمس والزكاة هي خير مصداق لذلك ؟ ولماذا لا يرى الناس مفعول الخمس والزكاة في المجتمع , أين هي المؤسسة الدينية وأين هي الدولة وأين هي الجهات المعنية بحقوق الطفل كل هذه التساؤلات بحاجة إلى أجوبة واقعية وبحاجة الى تكاتف من جميع الجهات من اجل القضاء على هذه الظواهر الاجتماعية المنحرفة التي ستكون لها آثار سلبية كبيرة جدا على البنية الاجتماعية للمجتمع العراقي وتساهم في رفد الجريمة والانحراف بطاقات محترفة اعتادت العمل بالشوارع والتقاطاعات.
مقالات اخرى للكاتب