أيام بلاد الأندلس ولياليها مرّت كحلم لم ينعم به النظر, حتى يتمنى المرء أن يحيا ليلة واحدة من لياليها ليتذوق حلاوة طعم شعر لسان الدين بن الخطيب الندلسي القائل( جادك الغيث إذا الغيث هما يا زمان الوصل في الأندلس) , إذ لم يكن وصله إلا حلما في الكرى او خلسة المختلس على حد قوله. ولذا فمن أراد ان يحيا ليلة أندلسية فما عليه إلا أن يشد الرحال الى قرطبة او غرناطة او بلد الوليد ليعيش لحظات فريدة يترك فيها العنان لخياله ليعيش تلك الأيام الخوالي.
ولكن ان تأتيك قرطبة لبلاد الضباب لتذيقك طعم الليالي الأندلسية فهو حلم وخيال لم يمر على ذهن لسان الدين بن الخطيب ولا غيره من شعراء بلاد ضيعها العرب المسلمون وظلوا يذرفون الدموع عليها. قوام وقد رشيق كانه لوحة فنية أبدعها الخالق المعبود تتمايل في مشيتها حتى تضيع ملامحها بين خصلات شعرها وأردافها ولون بشرتها فيحير العقل في معرفة أصولها, يا إلهي أهي عربية؟
فسمرتها وملامح وجهها وخصلات شعرها تنبيك أنها عربية.
لكن قدها وقوامها ولون شعرها يضج بالخصال الإفرنجية! حتى ضاعت بوصلة الفكر بل وشلت أمام تلك اللوحة التي تذهب بالعقول وتتركها في حيرة, حتى جلست جنبه وعيناه لا تفارقان محياها. لحظات من الصمت الرهيب لم يعد يحتملها خشية أن تفضحه دقات قلبه المتسارعة فتصل الى مسامع أذنيها , فالتفت قائلا "هاي" فأجابته بمثلها مشفوعة بإبتسامة علت شفتيها فتشجع ليسألها لأي بلاد الأرض تنتمين يا فلقة القمر فأجابت قائلة اسبانيا.
كلمة واحدة كانت كافية للأجابة عن جميع التساؤلات التي عصفت برأسه! عرف انها مزيج من حضارات وأيقن أن في عروقها تسري دماء يعربية. فقال لها من اي المناطق أنت فقالت انا من اندلوسيا ومن "كوردوبا" ! إذن انت من بلاد الأندلس ومن قرطبة .
فاجابها قائلا إذن نحن نسباء هنا وكل غريب للغريب نسيب. قالت نعم فانا حديثة قدوم لهذه البلاد , فقال لها وانا دليلك فيها وسأبدأ غدا بإصطحابك لأماكن فيها سحر الشرق فتعيشي ليالي شرقية على وقع انغام غربية.
إصطحبها الى أحد المطاعم التي تقدم السمك العراقي المسكوف بعد ان تجولا في سوق للخضار جل رواده من الشرقيين الذي رمقوه بنظرات ملؤها الحسد والحنق ولسان حالها ويح هذا الخمسيني كيف إستطاع أن يأسر قلب هذا العشرينية الأوروبية؟ كان يقرأ العيون فيجيبها بلغة عربية فيرد البائع بنظرات مستبشرة تحمل معاني التبريك والنصر فالنصر العربي اليوم هو أن تفض بكارة بنت اوروبية وترفع راية النصر في مخادع نومهم و في عقر دارهم لنرد على هزائمنا التي لا اول لها ولا آخر.
ودعها ووعدها بإصطحابها الى احد القصور الملكية التي تزخر بها مدينة لندن والمفتوحة أبوابها أمام عموم الناس. غير أنها أبت إلا أن تدعوه لسهرة في ساحة العشاق المعروفة بإسم بيكاديلي. تجولا فيها وشاهدا فلما سينمائيا وحتى وقت متاخر من الليل وحينها طالبته بليلة أندلسية , وخاصة بعد امسكت بيده لتذيقه رشفة من شفتيها حتى كاد ان يسقط مغميا عليه غير أنه تماسك نفسه رافضا فرمقته بنظرة فيها حيرة وأسى يا ويلتاه هل أنا من يرفضني هذا الشرقي وانا التي يتمنى وصالي شباب في عمر الزهور؟
غير أنه أزال حيرتها قائلا إنك لا تعلمين مدى شوقي لوصالك ولو فتحتي قلبي لوجدتيه ممتلأ حبا وشوقا بل يكاد أن يتفطر من شدة الوجد غير ان ليلتنا الأندلسية لن تكتمل إلا بسقوط احد حكام الشرق فقالت وهل ننتظر ربيع عربيا في بلادك لنحتفل؟ فأجابها قائلا الربيع جاء وأعقبه خريف غير أن أحدهم يترنح هذه الأيام فاتركي هذه الليلة حتى يكتمل سيناريو ليلتنا ووعدها بإصطحابها في اليوم التالي الى قصر كنغستون الشهير وسط لندن.
قصر سكنه ملوك آلمان حكموا بريطانيا في العصور الوسطى عرفوا بالجورجيون , حتى سكنته الأميرة الراحلة ديانا واليوم أصبح سكنا لولي العهد وليم وزوجته كيت والأمير جورج. تجولا في أروقة القصر التي تحكي قصص الملوك الذين سكنوا فيه ورحلوا ومنهم من ترك حسرة وأسى في القلوب على مصيره وفي عز شبابه كالأميرة ديانا.ضحكا وتعانقا والتقطا صورا تذكارية بين ورود القصر والأزهار التي أضيفت لها وردة أندلسية ناضرة وحتى حل الظلام وهما يهيمان في حديقة الهايد المجاورة وهي بإنتظار تلك الليلة التي أزف موعدها.
وفي الليلة التالية ذهب صاحبنا يتعبد مستمعا لدعاء كميل حتى رن جرس هاتفه إذ أخبره احدهم بان الطاغية سيلقي خطابا بعد قليل, فعرف ان ساعة الصفر إقتربت وأن اللاطش بحكم الله نوري المالكي بصدد رفع راية الأستسلام . فلم يتمالك نفسه الا ويهرول مسرعا خارج المسجد ليستمع الى ذلك الخطاب. تمالك نفسه وهو يستمع لإنجازات القائد الضرورة وبانه غير متشبث بالكرسي حاشاه الله وكانه ليس ذاك الذي هدد العراقيين بجحيم قبل أيام وليس من إدعى بأنه صاحب الشرعية الدستورية رافضا مغادرة سدة الحكم , وكأنه ليس ذاك من ظل وحيدا منبوذا وحيدا حتى أجبر على الأستسلام فظهر محاطا باولئك الصقور الذين إنقضوا عليه وأجبروه على رفع الراية البيضاء.
فغمرت صاحبنا فرحة غامرة لا لسقوط الطاغية والزبانية ولكن لأن ليلته الأندلسية إكتملت أركانها فما هي إلا لحظات وهو في أحضان محبوبته مبشرا إياها بليلة من ليالي العمر بدأها بأهازيج عراقية مطالبا إياها أن ترقص وتدبج على أنغامها ألا وهي " يدنيا دوري دوري والمالكي انطك بوري" وهو يحمل ردائها القصير الذي خلعته بيدها ويرفعه فوق رأسه يهزه راقصا وهي ترقص معه رافعة رجليها وكاشفة عن ساقيها ونهديها حتى أعياهما الرقص فسقطا مغشيا عليهما على فراش النوم وحينها بدأت ليلة أندلسية حقيقية شربا فيها كأس العشق وحتى الثمالة وعلى أنغام "باي باي باي باي نوري المالكي".
مقالات اخرى للكاتب