لسنا بحاجة لتتبع الأسباب التي أجبرت رئيس الوزراء إلى إطلاق "حزمة الإصلاحات الأولى"؛ إذ لا شك إنّ الرجل, كرئيس حكومة, ما زالت صفحته بيضاء, وإصلاحاته تستهدف ممارسات ومواقع وأعراف تأسست في مرحلة سبقته..ما نعيشه اليوم يمثل نتاجاً طبيعياً لمرحلة السنوات الثمان, سيما الأربعة الأخيرة منها.
ثمة حقيقة يحاول بعضهم تغافلها؛ الشعب كان يعرف حجم الكوارث والفشل المرافق لإدارة السيد المالكي, وما سكوته إلا لشعوره بالمسؤولية تجاه الوطن من جهة, وعدم نضوج فكرة الإصلاح الشامل من جهة ثانية, ومن جهة ثالثة بقاء الأحزاب والكيانات الشيعية, داعمة أو معترضة على نهج المالكي, ضمن خطوط معينة ولم تستغل شعور الناس بالمظلومية أو تنمّيه. وليتها فعلت, فكانت قدمت خدمة حصرية للمالكي.
في الزمن الآخر, وفي ذات المكان, حاول السيد المالكي تغيير مسار التظاهرات المطالبة بخدمات ومكافحة الفساد الذي رعاه طوال سنوات حكمه, ورغم فشل تلك المحاولة؛ تحوّلت ساحة التحرير إلى ملعب تصفية محبّذ لنائب رئيس الجمهورية!..
هذه الممارسات التي تحاول تلّميع صورة خفت بريقها, وإشراك الآخرين (أبرياء وغير أبرياء) بذلك الفساد المدوّي؛ ليست هي الطريقة الوحيدة للنهج الذي يتبعه المالكي في هروبه إلى الأمام, سيما بعد خطاب العبادي الأخير والذي أطلق عبره رسائل تهديد مبطّنة إلى شخص المالكي وآخرين.. فجأة تجتمع دولة القانون بحضور "العبادي والمالكي"!..
ذات القصة تعود, قصة المحاباة والفساد وحزّبنة الدولة, وكأنّ ما خرج عليه الشعب مطالباً بإصلاحه أفسده الجن وليس حكومة قضت طوراً مهماً وسجّلت رقماً قياسياً في حجم فسادها..!
هل نحتاج إلى تذكير أنفسنا بمن كان يقود كل شيء؟..ليس من الضروري, فالأمر صار تاريخاً سجلته هزائم مريرة..
لا ريب إنّ نوايا العبادي في الإصلاح جادة, لكنّ عودته إلى بيئة معارضة للإصلاح, ومؤسسة للفساد والفشل, يعد نكوصاً إلى نقطة المشكلة الأولى..قد يكون العبادي مجبراً وعليه ضغوط كبيرة, وبهذا سيكون أمام خيارين؛ فإما الذهاب بإصلاحه مدعوماً من الشعب والمرجعية والقوى السياسية التي دعمته إبتداءاً, أو ينكفأ على كتلته المتهمة رسيما فالفساد..الخيار الأول, يُدخله التاريخ ضمن قائمة (إصلاح التجربة الشيعية), والخيار الثاني يضعه في خانة سلفه, خانة الفشل والفساد والخديعة؛ والخاسر هو الشعب الذي سينتظر مراحل صراع جديدة!..
مقالات اخرى للكاتب