للوهلة الأولى أترك لك ثوان كي تستغرب وتنتقد وأحيانا تشتم بمجرد قراءتك للعنوان أعلاه, ولكن أسمح لك لثوان فقط لترجح عقلك وتدخل في عمق الموضوع حتى تفهم المغزى.
ما يثير الاستغراب هو تمسكنا بالعاطفة دون العقل أو بالأحرى استخدام العقل, لكن بنسبة قليلة أمام استخدام العاطفة, وهذا هو سبب خطأ المواطن. المواطن يستخدم عاطفته للدفاع عن نفسه وأهله وبيته وعشيرته وطائفته ومنطقته وقوميته, حتى وإن كان الدفاع بغير حق، أي انه يدافع عن خطأ ارتكبته إحدى التسميات تلك, وهو بالتأكيد دفاع عشوائي عاطفي لأنه غير مدروس مشحون بغريزة العاطفة. فرضا أن شخصا من أبناء جلدتي سرق أو قتل أو ارتكب أي ذنب, وانتقده فلان من الطائفة الأخرى؛ فأنا بدوري سأترك مصيبته وأهرول لصد انتقاد فان، وكأنني أغطي على فعلته فقط، لأنه يشترك معي بتلك المسميات الآنفة الذكر، ولأن المنتقد ينتمي إلى طائفة أخرى, وبذا تبدأ الحرب الباطلة.
من بديهيات القول إن الذي يصمت على الظلم مشارك فيه, وها نحن نظلم يوميا وبالمقابل نحن راضون على الظلم ونشجع الظالم ونعيد انتخابه ونصفق له ونعطيه الحق وننتخبه بالرغم مما هو عليه!
نعلم أيضا أن الساكت عن الحق شيطان أخرس, ولا يخفى على أحد كيف تبخرت أدنى الحقوق ونحن ساكتون. نحن نبرر الخطأ بخطأ أفدح، وكل ذلك يعود لاستحواذ العاطفة على نسبة كبيرة من تصرفاتنا, صرخاتنا ومطالباتنا وأفكارنا وتفلسفنا محددة بتخوم المقهى, فما إن نخرج حتى تتناثر!
المؤسف هو تسطيرنا للكلام العذب في اختيار الأصلح وانتخاب الأفضل والأمين ولا نعطي صوتنا إلا من يستحقه, إلا أن هذا الكلام يركن قرب كوب الشاي في إحدى المقاهي لنخرج بأفكار جديدة ثم يأتي اليوم البنفسجي لنهرع وننتخب (س) لأنه ابن طائفتي وابن عشيرتي وابن كذا. السؤال الذي يحيرني؛ ما فائدة ابن طائفتي إذا كان سارقا قاتلا ظالما متغطرسا؟ هل يحمي طائفتي وهو سارق؟ كيف لحرامي البيت أن يحمي البيت؟ أليس من الأحق أن انظر إلى الواقع نظرة مدروسة بعيدا عن التخندقات الطائفية والمناطقية والعشائرية.. نظرة بعيدة عن القوقعة الانتمائية إذا كانت سلبية؟
الشعب يصنع الطغاة. عبارة واقعية لا تحتاج إلى ريبة, فها هو المسؤول محاطا بحفنة من المتملقين الذين ينقلون ويدونون ويشجعون ويكذبون ويزعقون ويمسحون الأكتاف ويطأطئون الرؤوس من أجل (ورقة نقدية صادرة بموجب القانون) وأكثرهم يجن جنونهم بسبب الحاشية التي يتمتعون بها, تلك الحاشية التي تقدس صاحب المنصب وتركع له, وبذا يصنع الطاغوت.
إذن المسؤول له حق في تصرفاته، وإن كانت حمقاء، لأنه أتى عن طريق الانتخابات وله قاعدة شعبية, وله غربان تنعق وببغاوات ترتل كلماته وعباراته بسلبها وإيجابها, والمواطن يكرر انتخاب السيئ فقط لأنه يميل إلى الطائفة قبل كل شيء.
المواطن خطأ لأنه شارك بالظلم عن طريق إعادة الظالم وانتخابه والدفاع عنه والسكوت عن حماقاته بدواع طائفية. والمسؤول على حق لأنه لم يجد رادعا له ولم يتوقف التصفيق والتهويل له, وها هو يجد أرضية خصبة وبيئة مناسبة لفعل ما يحلو له!
مقالات اخرى للكاتب