برضا المغلوبين من ابناء العراق أو بدونه تشكلت الحكومة العراقية ، وظهرت شخوص ووجوه جديدة ، وهم القلة القليلة لم يتعود العراقيون على رؤيتهم على شاشات التلفزة سابقا .. فيما بقيت وجوه انتقلت بأجنحة الاستحقاق الانتخابي من منصب الى منصب آخر وسط تشاؤم الشارع العراقي من مستقبله الذي لم يظهر ملامحه بعد أحد عشر عاما من سقوط النظام السابق ، بل زادت المخاوف من ان يتحول تفاؤل البعض من حكومة السيد حيدر العبادي الى كابوس سياسي آخر ويتسع رقعة الخلافات السياسية ، و التي ربما تتحول الى صراعات خفية تمتص من قوة العبادي وقدرته على معالجتها بسبب تفاوت رقعة عدم الاقناع بالهيكلية الحكومية من كتلة الى اخرى ، والتي اتسمت بمبدأ القبول بالامر الواقع ، خصوصا بعد أن اختيرت حقائبها على ضوء توجيهات دولية واقليمية وحظيت بدعم مباشر من الولايات المتحدة الامريكية وايران على وجه الخصوص لأسباب تتعلق بطبيعة الظروف التي خلقتها امتدادات داعش وآثارها على مستقبل المصالح والاستراتيجيات الامريكية الخاصة بالمنطقة ، وهذا يعني ان السيد حيدر العبادي امام امتحان ، وتجاوزه مرهون بقدرته السياسية .....
لذلك فان الضغط الامريكي على حيدر العبادي بأهمية تشكيل حكومته وفق الفترة الدستورية كانت ضمن مفهوم سياسي بحت بضرورة تهيئة الاجواء المناسبة لبناء تحالف دولي واقليمي ضد داعش والحد من خطورتها على المنطقة ، والتي بدأت في الآونة الاخيرة تستقطب العديد من المرتزقة والمجرمين من جميع أنحاء العالم الذيم يتسللون الى الدول المحيطة بالعراق ويدخلونها تحت مسميات كثيرة وبتسهيلات مثيرة للشكوك والتساؤلات التي بقيت الى الآن بلا اجابات مقنعة عن الاسباب التي تدفع بهذه الدول ان تعمل باتجاه المزيد من الضغوطات على العراق تماشيا مع مصالحها السياسية والاقتصادية ، والتي أدت الى ظهور من التنظيمات والمجموعات العدائية للعراق التي تحمل أجندات فكرية متعددة ، ولكن تجتمع موحدة في تصديها لأية جالة نهضوية سياسة توافقية بين أطرافه المشاركة في العملية السياسية.....
اذن ... ما من شك ان حكومة حيدر العبادي جاءت برغبة أمريكية ملحة ومخاوفها من ان يتحول العراق الى بؤرة للإرهاب من قبل داعش وتنظيماتها المنتشرة في المنطقة التي بدأت تتزايد يوما بعد يوم عددا وعدة ، وتترك بلا شك خطرا كبيرا على مصالح امريكا في المنطقة عموما ، في وقت وايران بدأت تبحث عن وسائل رادعة أكثر قدرة وقوة لمجابهة هذا التنظيم المعادي للمد الشيعي أولا ، ومن ثم ترسيخ قواعدها الدفاعية عن مصالحها في العراق و الخليج العربي ودعم النهضة الشيعية في هذه المناطق لتكون على مقربة من سير الاحداث الجارية خصوصا في اليمن المجاورة للملكة العربية السعودية ، و التي بدأ فيها الحوثيون يستعدون قواهم لمواجهة النظام هناك لفرض وجودهم الطائفي والمذهبي ، الذي واجه القمع والاضطهاد من قبل علي عبدالله صالح بمباركة من السعودية طيلة فترة حكمه الاستبدادي لليمن ،والجدير بالذكر ان تحرك الحوثيين في اليمن بدأ مع سقوط النظام السابق في العراق بشكل أكبر ، والذين يحظون بدعم مباشر من ايران بهدف التأثير على مجريات الاحداث هناك بعد تنحي الرئيس صالح عن الحكم الذي كان يتقاسم الرأي بضرورة وضع عقبات امام محاولات الحوثيين للدحول في المعترك السياسي اليمني .....
بمعنى ان التحرك الامريكي عقب تشكيل الحكومة العراقية باتجاه بناء تحالف دولي واقليمي فعال لضرب مكامن التهديد للمصالح الامريكية في المنطقة لا يستثني كل القوى المضادة للاستراتيجية الامريكية في المنطقة ، والذي لا يمكن تنفيذه بمعزل عن العراق الذي يحظى حكومته الجديدة بالمقبولية التامة من قبل المجتمع الدولي والاقليمي بالاستناد الى هيكليتها التي تمت التصويت عليها بالاغلبية داخل قبة البرلمان .....
وعلى هذا الاساس فان الولايات المتحدة الامريكية تدرك تماما الاسباب والموجبات التي تدفع بايران ان تكون طرفا في تحالفات القضاء على داعش ، ولكنها وضعت في حساباتها السياسية مرحلة ما بعد الانتهاء من معضلة داعش ، والكيفية التي تتعامل بها مع ادارة الحكم في العراق ، ولهذا فان امريكا صاحبة فكرة بناء التحالف الدولي والاقليمي سوف تضع كل الخيارات التي تحد من نفوذ ايران في العراق التي أثرت بشكل أو آخر على سير العملية السياسيى باتجاه غير مرضي للتوجهات الامريكية ابان فترة حكم نوري المالكي ، والذي كان سبباً من أهم الاسباب التي حولت العراق الى بؤرة مخيفة للإرهاب وادواتها في المنطقة .. وهذا يعني ان مرحلة ما بعد داعش سوف تشهد صراعا سياسيا جديدا بين المنهكمين في البحث عن مصالحهم السياسية والاقتصادية ، وهذا يتطلب من السيد حيدر العبادي ان يسعى باتجاه توحيد الرؤى السياسية لشركائه في العملية الديمقراطية ويتجنب تقليد سلفه نوري المالكي في حكمه الطائفي والمذهبي لتفادي الوقوع في منزلق الازمات الخطيرة ، ويعمل وفق منظور وطني بعقلية سياسية جديدة تستطيع كيف يستغل الظروف التي هيئتها الولايات المتحدة الامريكية للعراق لكي يخرج سالما من معركة مع تنظيم ارهابي متطرف يزحف دون مقاومة صوب المنطقة والعالم ......
مقالات اخرى للكاتب