كاظم عريبي الزيداوي ، يعرفه معظم الإعلاميين العراقيين وحتى الأجانب يوم كانوا يقيمون في فندق قريب من ساحة الفردوس ، عند مدخل شارع الزعيم احتلت عربة كاظم الركن الأيمن لتقديم الوجبات الغذائية السريعة ، ومنذ بدء العمليات العسكرية للإطاحة بالنظام السابق بحسب الوصف الاميركي ، قدم الرجل خدمات جليلة للزبائن ، وكان له الفضل الكبير في تحقيق إعجاب الأجانب بوحش الطاوة الباذنجان ، و"العروك" العراقية .
كاظم ابو الفلافل بنظر بعض زبائنه يعد رمزا لشارع الزعيم عبد الكريم قاسم ، ولطالما أشاد بمواقفه الوطنية ووقوفه الى جانب الفقراء ، بمنحهم الأراضي لبناء مساكنهم في أحياء معروفة بالعاصمة وحين يقارن الأوضاع السابقة بالحالية يصرخ بأعلى صوته الف رحمة على روحك الزعيم ، وامتدت الرحمة الى زعماء اخرين يخشى ذكر اسمائهم ، لكنه يقترب من اذن اقرب زبون ، ويذكر الاسم الصريح ، مع اطلاق ضحكة مدوية ، تحمل سخرية مرة ، يفهمها معظم الزبائن ، وحين يواجه احدهم صعوبة في فهم ما يقصده الزيداوي ، يتوجه الى صاحب المكتبة جمعة سرحان القريشي لتفكيك طلاسم الزيداوي ، وتعليقاته على الاحداث جعلته حاضرا في العديد من التقارير التلفزيونية، ولكثرة ظهوره في الفضائيات بعد الغزو الاميركي ، اعلن استعداده لخوض تجربة التمثيل فهو لا يقل موهبة عن الراحل فريد شوقي ، ولديه من "الحسجة" ما يجعله نجما يستحق جائزة الاوسكار بشهادة زبائنه من الاعلاميين الاجانب .
مطلع عقد التسعينات اتخذ الرجل مكانه ، وفي كل يوم كان يخوض مواجهة مع رجال البلدية لتجاوزه على القانون والممتلكات العامة، وينتهي النزاع عادة بتقديم وجبة غذاء مجانية ، واطلاق لازمته الشهيرة " استريح ايها الرفيق ابو القلب الرقيق " للاشادة بمواقف من يساعده على تحدي رجال البلدية ، وبعد واقعة ساحة الفردوس تحولت اللازمة الى "استريح مولاي اشرب جاي " لضمان البقاء في موقعه لتقديم خدماته للزبائن ، ولاسيما انه كان الوحيد في المنطقة وخلال ايام الحرب يواصل عمله ، مع عمال فرن الصمون القريب منه ، فوفر للاعلاميين وجبات غذائية اقتصرت على البيض والبطاطا المسلوقة ، وغاب الدهن ثم عاد الى المائدة بعد اعلان تشكيل مجلس الحكم .
الزيداوي فارق الحياة ليلة عيد الاضحى بحادث مؤسف ، فعندما كان يعلق النشرة الضوئية للاحتفال بزواج ابنه البكر ، سقط من السلم الخشبي على الارض ومات في الحال فتحول العرس الى مأتم ، وفي موقع عربته بمدخل شارع الزعيم علقت لافتة تأبينه ، تاركا في اذهان زبائنه تعليقاته وقفشاته السياسية المشفرة ، وتذمره من المستقبل المجهول بوصفه شاهد احداث السلب والنهب ، وسرقة تمثال عبد المحسن السعدون وبيع السلاح في "بسطيات" الباب الشرقي وغيرها من الاحداث والمشاهد المؤلمة ثم تفجير السيارات المفخخة بالقرب من عربته بشارع الزعيم.
مقالات اخرى للكاتب