في أحدث حلقة من مسلسل علاج الرؤساء العرب خارج بلدانهم ، نُقل يوم أمس الجمعة الرئيس الجزائري ( عبد العزيز بوتفليقة ) الى ( وحدة أمراض القلب والشرايين ) في مستشفى ( المبير ) في مدينة ( غرونوبل ) جنوب شرق فرنسا ، بعد معالجته من ( جلطة دماغية ضعيفة ) في وقت سابق من العام الماضي !.
نقل الرئيس الجزائري الى فرنسا للعلاج ليس أمراً جديداً في واقع الأنظمة العربية ورؤسائها ( المستحوذين ) على السلطات في بلدانهم عندما يتعرضون لوعكة صحية ، رغم أن هؤلاء القادة المنقولين على عجل الى مستشفيات في الخارج للعلاج ، كانوا يستعرضون في خُطبهم أثناء الاحتفال بالمناسبات الوطنية وفي اللقاءات الصحفية مع الاعلام , (انجازاتهم النوعية ) على جميع الأصعدة خلال سنوات حكمهم ، بمافيها الخدمات الصحية التي تُقدمها حكوماتهم لعموم المواطنين ! ، لكنها تسقط سريعاً بالاختبار أمام اية وعكة للرئيس ، عندما يغادر للعلاج خارج الوطن !.
تعالوا نفحص معاً خزين المؤهلات لبلدِ كالجزائر ( وطناً وشعباً وتأريخاً وامكانات أقتصادية وكوادر وطنية وعلمية وسياسية وطاقات مهنية ) , ونضعها أمام الرئيس الجزائري ، مع أحترامنا لتأريخه الوطني المشرف .
فقد قدم الجزائريون ( أكثر ) من مليون من الشهداء خلال السبعة سنوات ونصف من مقاومتهم للاحتلال الفرنسي البغيض ، في واحدة من أروع الصفحات في نضال الشعوب للتحرر من رجس الأستعمار ، وتمثل الجزائر أكبر بلد عربي وأكبر بلد في أفريقيا ، اضافة الى أن أرضها تكتنز ثروات هائلة من النفط والغاز والمعادن المختلفة التي ساهمت برفع ناتجها القومي في العام ( 2012 ) فقط الى ( 183 ) مليار دولار , وتشتمل الجزائر كذلك على ( 42 ) مطاراً و ( 3900 ) كم للسكك الحديد و ( 40 ) ميناءاً و ( 6 ) ملايين سيارة و ( 15 ) مليون مشترك بالهاتف المحمول ، وكل هذه الامكانات كانت تنامت وتطورت منذ استقلالها في الخامس من تموز عام 1962 , لكنها على مايبدو لم تصل الى الآن الى المستوى الذي يوفر الاطمئنان للرئيس على صحته داخل البلاد !.
نتسائل هنا ( ببراءة) ، أذا كان الناتج الوطني الاجمالي للجزائر في العام 2012 فقط ( 183 ) مليار دولار ، وأذا أضفنا له مجموع الناتج الاجمالي للبلاد خلال ( 52 ) عاماً السابقة ولغاية ( وعكة الرئيس يوم أمس ) ، بما فيها الخمسة عشر عاماً السابقة منذ ارتقاء الرئيس ( بوتفليقة ) لمنصب الرئاسة في العام ( 1999 ) ، ماهي الأسباب الحقيقية التي حالت دون بناء ( على الأقل ) مستشفى واحد متطور على غرار مستشفى ( المبير ) الذي نُقل اليه الرئيس في مدينة ( غرونوبل ) الفرنسية في العام الماضي ويوم أمس ، ليكون بديلاً وطنياً يعالج فيه الرئيس ، مثلما يعالج غيره من أبناء شعبه ؟؟ !!.
نحن نتألم حين يفرض علينا الزمن نماذج تصرف غير مقبولة تحت أية ظروف لمناضلين نحترم تأريخهم مثل الرئيس الجزائري ( عبد العزيز بوتفليقة ) ، بعد أن قدم الرجل في نضاله ضد الاستعمار الفرنسي صفحات مضيئة للوطنية الحقيقية , حين يعود ( ليقرض ) من جذره الوطني الباهرويُسقط بنائه في ذاكرتنا الوطنية والانسانية ، وفي هذا المجال يحق لنا أن نسأله ليحكم بنفسه ، لو قدم مواطن جزائري مُقعد على كرسي ( كما الرئيس الآن ) أوراقه لشغل وظيفة ( حارس لبناية ) ، ومن ضمن أوراقه مراجعته لمستشفى خلال العام الماضي ( لأصابته بجلطة دماغية خفيفة ) ، هل سيحصل على الوظيفة ؟!، ولأننا لانشك بأجابة النفي من قبل الرئيس ، ندعوه لمقارنتها بتمسكه بالرئاسة لبلد كالجزائر!.
في العراق هناك الكثيرمن هذا الالم ، فبين ليلةِ وضحاها يتحول الفرد من مواطن اعتيادي الى ( مواطن فوق العادة ! ) ، ويكون هذا المتحول الجديد غير مقتنع ولا واثق من كفاءة الطبيب العراقي ولامن الدواء المتوفر في العراق ، رغم أنه أحد المسؤولين عن كل ذلك ، حتى وصل الأمر الى أن هؤلاء يضيفون لبرامج سفرهم تواريخ مراجعاتهم الطبية مع عوائلهم في الخارج ، وعلى حساب ميزانية الدولة ، ناهيك عن انواع الفساد الذي ينطوي عليه ملف العلاج خارج البلاد !.
أن علاج المسؤولين خارج بلدانهم هوفي الغالب تقليد عربي ، وهويمثل دليلاً دامغاً على فشل الانظمة طوال الخمسة عقود الماضية ، رغم التخصيصات المالية الهائلة التي أستهلكتها البرامج والخطط المعتمدة من قبل الحكومات المتعاقبة ، التي أعتمدت التضليل الاعلامي للتغطية على الخراب العام في أغلب المؤسسات ومنها الصحية في بلدانها , وحين يكون علاج المسؤول ( أي مسؤول ) خارج وطنه ، فأنه لايستحق منصبه حتى لو كان رئيساً !
مقالات اخرى للكاتب