إن أحد أبرز مخاطر الفساد على المجتمع والدولة هو تعاطي الرشوة التي إستفحلت في السنوات الاخيرة بصورة واسعة في جميع مفاصل الدولة ومؤسساتها . . . لاسيما بين صفوف المحامين ، رغم وجود القوانين التي ينبغي لها ردع المرتشين ، منها ما جاء في بعض نصوص قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل ، حيث نص القانون في الباب السادس ( الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة ) ، وجاء في الفصل الاول منه ( جريمة الرشوة ) المواد من 307 ـ 314 .
هذا فضلاً عن ان قانون المحاماة العراقي يعاقب المحامي الذي ينتهك أخلاقيات المهنة ويضع العقاب على المحامي الذي يغدر بموكلهِ أو يضر بحقوقهِ عمداً أو إهمالاً . وتُكمن خطورة الرشوة انها تقف عائقاً أمام تعزيز حكم القانون وبناء الدولة المدنية العادلة التي تقوم على أساسِ العدلِ والحق والانصاف .
إن من صور جريمة تقديم الرشوة هي : قبول المحامي بالتواطؤ ضد موكله ، حيث يقبل بعض المحامين بتلقي الرشوة لعرقلة تحقيق العدالة . . . أو لأجل غض النظر عن إجراء معين قد تسمح بخسارة حقوق موكليهم . . . كما حصل معنا في السنوات الاخيرة عندما تواطئ مجموعة من المحامين الذين تم توكيلهم في الدعوى التي أقيمت على اثنين من المهندسين المحتالين اللذين إستوليا على حقوقنا المترتبة بذمتهما ، حيث ساهموا بتغيير مجرى العدالة عبر إجراءات غير قانونية وغير أخلاقية من أجل حفنة وسخة من المال الحرام . . .
ومما يؤسف له ان البعض منهم تربطنا بهم صداقة تمتد لأكثر من أربعين عاماً . . . وقد أثار هذا العمل غير الانساني الذي قام به هؤلاء المحامين سخط بعض القضاة في محاكم كربلاء ، حيث وصفوا ذلك : بأنها جريمة أُرتكبت من قبل محامين تخطو ميثاق الشرف وأخلاقيات المهنة الانسانية العظيمة التي ينتمون إليها .
للرشوة مساوئ ومخاطر عديدة على أفراد المجتمع . . . فكيف إذا كان متعاطيها من المحامين الذين أقسموا اليمين بالدفاع عن حقوق الناس وحمايتهم .
إن جريمة الرشوة محرمة بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، وقد نهى الله سبحانه تعالى عن ذلك وحذر منه في قوله تعالى : ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتُدلوا بها الى الحُكَّام لِتأكُلوا فَريقاً من أَموالِ الناس بِالإثم وأنتُم تَعلمُون ) سورة البقرة ـ الآية 188 . . . وفي قوله تعالى : ( سَماعون للكذبِ أكَّـالون للسُّحتِ فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وان تُعرِض عنهم فَلن يَضُروك شيئاً . وإن حَكَمت فأحكم بينهم بالقِسطِ إن الله يُحب المُقسطين ) سورة المائدة ـ الآية 42 . . . وفي قوله تعالى : ( وتَرى كثيراً منهم يُسارعون في الإثم والعدوان وأكلهِمُ السُّحت لَبئسَ ما كانوا يَعملُون ) سورة المائدة ـ الآية 62 .
قيل ان أصل السُّحت الاستئصال ، يقال : أسحته إسحاتاً : إذ إستأصله وأذهبه . . . وفي قوله تعالى : ( فَيُسحِتكم بعذابٍ وقد خَابَ من افتَرَى ) سورة طه ـ الآية 61 . . . أي يستأصلكم به .
فَسُميّ الحرام سُحتاً لأنه لابركة فيه لأهلهِ ويهلك بهِ صاحبه هلاك الاستئصال . . . وإن كلمة السُّحت التي جاءت في الآية الكريمة هي قبول الرشى محرم وانه من السُّحت الذي حرمه الله الباري عزوجل .
إن الاسلام قد نهى عن الرشوة لانها سُّحت ومال حرام وهي من أكبر الكبائر والذنوب . . . قال رسول الله (ص) : ( كُل جسد نبت من سُّحتٍ فالنار أولى به ) ، قيل يارسول الله وما السُّحت ؟ قال (ص) : ( الرشوة في الحكم ) . . . وقال عليه أفضل الصلاة والسلام : ( لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما ) . . . والراشي : هو دافع الرشوة . . . والمرتشي : هو آخذها وقابضها . . . والرائش : هو الوسيط بين الراشي والمرتشي فهؤلاء جميعاً ملعونون من الله ورسوله الكريم .
ومن أقرب التعريفات عن الرشوة ما جاء في قول الجرجاني وهو أقرب ما يكون لمدلول القرآن الكريم لهُ : بأنه ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل .
وروي عن أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب (ع) قال : ( السُّحت الرشوة في الحكم ) .
وإن من خطر الرشوة على الراشي والمرتشي والرائش الذي يسعى بينهما الدخول في اللعن وهو الطرد من رحمة الله والعياذ بالله .
ومن خطر الرشوة أيضاً نزع البركة والرحمة عن متعاطيها . . . قال النبي الأكرم محمد (ص) : ( إن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً ) .
ومن مخاطرها أيضاً ذهاب الحياء . . . قال رسول الله محمد (ص) : ( الحياء من الايمان ) ، فالحياء والايمان قرينتان لايفترقان . . . وأكل الرشوة تذهب بالحياء وتجعل المرء لايستحي من الله الباري عزوجل وينال سخط الناس .
ومن مخاطر الرشوة على المجتمع . . . إنتشار الظلم والفساد بين أفراده وبالتعدي على مصالح الناس وضياع حقوقهم ونشر الحقد والكراهية بين أفراد المجتمع .
ومن مخاطرها أيضاً فساد أخلاق الناس لأنهم سيصبحون عبيداً للمال الحرام .
مقالات اخرى للكاتب