اخبار تكدر الخاطر وتوتر الاعصاب وتدعو الى القلق على مستقبل العراق جاءت من محافظة الديوانية، تلك المحافظة العريقة المناضلة والتي يعرف أهلها بالوداعة والحكمة والشيمة العربية. الخبر الأول وبتاريخ 14 كانون اول يقول ان قوة مسلحة اعتدت بالضرب على مدير وموظفي مشروع دواجن الديوانية، بعد العبث بمحتويات المشروع ومحاصرة أكثر من 110 موظف فيه. الخبر يقول ان " المسلحين اعتدوا بالضرب على مدير وموظفي المشروع امام انظار الحماية المخصصة من قبل وزارة الداخلية للحماية المشروع".
هذا اليوم 15 كانون الأول قرأنا خبرا اكثر ازعاجا ورعبا , حيث يقول الخبر وعلى لسان مدير شرطة مرور المحافظة العميد عبد الأمير الركابي من ان " مجموعة من الأشخاص الذين كانوا في حالة سكر شديد , قاموا في ساعة متأخرة من الليلة الماضية بالاعتداء على شرطي المرور اصيل الجبوري بعد ارتكابهم مخالفة مرورية وسط مدينة الديوانية " مبينا ان " هؤلاء الأشخاص قاموا بحمل الشرطي على مقدمة السيارة ,و التجول به في شوارع المدينة" وأضاف العميد الركابي ان " سيارتهم توقفت اثر اصطدامها بسيارة أخرى نتيجة السرعة العالية , مما أدى الى إصابة الشرطي بجروح خطيرة " , مشيرا الى ان "قوة امنية اعتقلت السائق".
قائد شرطة المحافظة العميد حمزة المرمضي نفى وقوع الحادث الأول حيث ذكر ان " الأجهزة الأمنية في الديوانية لم تسجل اية حالة اعتداءات من قبل قوة مسلحة على أي شركة في المحافظة". أتمنى ان يكون نفي السيد العميد وقوع الحادث الأول صحيحا , لأني اعتقد بانه لا توجد نار بدون دخان وحتى لو كان الخبر مفبركا فان الخبر ليس بدون اهداف سوف نتحدث عنه لاحقا.
رجوعا الى الخبر الثاني وهو حمل شرطي المرور المسكين على السيارة "السكارى" يجوبون به وسط مدينة الرمادي , لا يمكن غفرانه ولا يجوز لحكومة الديوانية حلها عشائريا او السماح للتدخلات الحزبية في فضها . انها جريمة يستحق فاعليها أقسى العقوبات لان الجريمة هي استهتار بأرواح المواطنين , استخفاف في قوانين الحكومة المحلية والفيدرالية التي تنظم طرق السير وتحمي أرواح المواطنين , واستهزاء بقوات الامن الداخلي. الشرطي يجب ان يكون محترم لأنه هو الذي يحمي تطبيق القوانين وعندما يهان الشرطي فان تشريع القوانين يصبح بدون فائدة. لقد عشت في بغداد في سنوات الستينيات ونصف السبعينيات من القرن الماضي فلم أتذكر ان قامت مجموعة من "السكارى" الاعتداء على شرطي في الطرق، بل على العكس كان السكارى يتجنبون الشرطة فيختاروا طرق بعيدة عنهم. فلا يمكن ان ينحدر أبناء الديوانية الى هذه الدرجة من قلة الحياء والانحطاط بحيث لا يحترمون شرطي المدينة! اذن كيف سيأمن طبيب المدينة على حياته وهو يسير على قدميه الى عيادته بوجود هؤلاء الحثالى ؟ وكيف ستأمن معلمة على حياتها وهي تسير نحو مدرستها؟ وكيف سيطمان موظف التقاعد على حياته من ايدي هؤلاء؟ بل كيف سيستطيع شرطي أداء واجباته القانونية بوجود مجرمين يتجولون بشرطي مرور المدينة وهو على مقدمة سيارتهم استخفافا به. ان الاستخفاف بشرطي المرور السيد أصيل الجبوري ما هو الا استهزاء بسلطة رئيس الوزراء ووظيفة وزارة الداخلية وبالشرطة بشكل عام، بل احتقار للقوانين بكاملها. ارجوا ان لا تحل هذه القضية بالطرق العشائرية لان حلها بالطرق العشائرية سوف تفتح باب جهنم على بقية موظفي الدولة المدنيين والعسكريين. ثم يقول البيان انه تم اللقاء القبض على سائق السيارة , ولكن اين بقية السكارى؟ ارجوا ان لا يطمطم الموضوع على اعتبار ان فلان من العشيرة الفلانية وعلان من الحزب الفلاني لان طمطمة الاضابير هي التي أوصلت العراق الى ما نحن عليه الان.
رجوعا الى الخبر الأول والذي نفاه مدير شرطة المحافظة وأقول ان نفي خبر جريمة بهذا الحجم الكبير يستدعي شرح مفصل لا ان يكون خبر النفي بسطر واحد. المشروع يعد الأكبر في الشرق الأوسط ومن أخطر المشاريع الاقتصادية في البلاد حيث يسد ثلثي حاجة البلاد من منتوجات الدواجن. ان حجم هذا المشروع يتطلب من مسؤولي الامن توضيح الخبر وحتى إذا تطلب الامر السماح لمدير المشروع وعماله الظهور على وسائل الاعلام للتأكد من صحة ما يقوله السيد مدير شرطة المحافظة لان الخبر خطير جدا ويخص الامن القومي العراقي. العراق في محنة مالية وتراجع اقتصادي ويحتاج معونات خارجية كثيرة ومنها جذب المستثمر الأجنبي. ان نشر خبر جريمة بالشكل الذي صوره الخبر بدون أدني شك يراد منه تخويف المستثمر العراقي او الأجنبي من القدوم الى العراق. الخبر اذا كان مفبركا فان هذه الفبركة جاءت على يد مجموعة خبيرة ومدفوع لها , حيث صور الخبر ما يلي :
أولا، ضرب مدير المشرع وحجز 110 من موظفيه وبذلك يصور الخبر ان المجاميع المسلحة في العراق لا تحترم اعلى سلطة في المشروع وعدم اكتراث بهيبة الإدارة.
ثانيا، ان هجوم المجموعة المسلحة على إدارة المشروع جاءت بحضور قوات امنية مختصة بحماية المشروع وبذلك يعطي الخبر ان سيطرة المسلحين على الشارع العراقي تفوق سيطرة الدولة.
ثالثا، ان الخبر يقول ان المجاميع المسلحة كانت تستقل 7 عجلات وبذلك اريد من الخبر ان يقول ان المجاميع المسلحة أصبحت من القوة والتجهيزات بحيث لا تستطيع القوات الحكومية مجابهتها.
رابعا، ان الخبر يقول ان إدارة المشروع طلبت من السيد حيدر العبادي، رئيس مجلس الوزراء، بالتدخل المباشر لحمايتهم من اعتداءات المجاميع المسلحة وبذلك أراد الخبر ان يوكد عجز القوات المحلية بحماية المنشاة بدون تدخل بغداد.
نعم، إذا كان خبر الاعتداء على مشروع الدواجن غير صحيح فان رد مديرية شرطة الديوانية المقتضب لا يوازي قوة الخبر الأول وكان من المفروض بشرطة المحافظة صرف وقت كافي لأقناع القراء به. ان كثرة الاخبار المفبركة عن العراق تحتاج الى إدارة مركزية يتعاون فيها أجهزة الامن , وسائل الاعلام , وأجهزة تخصصية في موضوع السيكولوجي. التجربة العراقية مستهدفة من قبل الكثير من الأعداء والبلدان ولابد من وجود جهاز قادر على رد الاستهداف، لان بدون هذا الجهاز سيكون من السهل على اختراق المواطن العراقي والاجنبي. ان اختراق المواطن العراقي من خلال الافتراءات على العملية السياسية سوف يؤدي الى ضعف أواصر تعاون المواطن مع الدولة، كما وان الاختراق سوف يؤدي الى طرد المستثمر من البلاد في الوقت الذي هو في اشد الحاجة له.
مقالات اخرى للكاتب