لا أقصدُ تركيا كشعب وحضارة وتاريخ في هذا العنوان المختصر لسطور قادمة ولكن نقصدُ تركيا بمؤسستها الاخونجية الاوردغانية...فمنذ تولي السلطان العثماني الجديد اوردغان لمقدرات هذا الشعب والأمور هناك تسير بمنحنيات خطيرة لاتحمدُ عواقبها.. تركيا بحكامها الجدد ,هي عبارة عن محاولة غير مجدية لإعادة أمجاد الماضي العثماني المحتل وإنْ كانت شعارات المرحلة قد اختلفت قليلا عما سبق , إلا أن هذه الشعارات التي ألهبت حماس الجماهير المسلمة السنية منها تحديدا ؛ داعبتْ مشاعرهم واستولتْ على عقولهم وسخرتْ منها والغريب في الأمر منظر هذه الجماهير وكأنها لاتعلم بخطابات جمال عبد الناصر القومجية ومانتج عنها فيما بعد...ولاتعلم عن هرج صدام حسين وما خسره العرب جميعا بسببه ... تركيا الاوردغانية ومنذ اللحظات الأولى للاحداث العسكرية الدامية في سورية العزيزة على قلوبنا..شعرت بأنها أمام فرصة تاريخية كبيرة في قيادة المنطقة إلى ماتريد هي وماتهدف إليه ,ولاسيما بعد سيناريو مصر الاخواني والذي أنتهى إلى غير رجعة...فلم تعثر على ضالتِها إلا في الوضع السوري ...فكانتْ لاعبا رئيساً في الأحداث كما هي تتصور نفسها وليس كما تؤشر معطيات الوضع الدولي والاقليمي...فعزفتْ على لحنِ الطائفية ومنذ السّاعات الاولى لما يسمى بالخريف العربي الدامي وكأن العالم الاسلامي يحتاج إلى من يقوده إلى هذه التهلكة وكان بأنتظارها...وتبرقعت في برقع الناتو الحليف العسكري لها وهي تعرف حق المعرفة ان الناتو قد ترك اوكرانيا في ورطتها وأدار ظهره لها وسيفعل مثل ذلك مع تركيا إن تطلب الأمرُ.. فقد كانت تركيا ومنذ البداية تتدخل في الشأن السوري علانية دون خوف أو خجل ,وكانت حدودها مفتوحة أمام الهاربين من جحيم القتال والذين آوتهم تركيا واستقبلتهم برحابة صدر كبير في باديء الأمر ومن ثم تنكرت لهم وصارت تعاملهم كعالة على المجتمع وفي كل الاحوال هو موقف يحسب لها وليس عليها..وحدودها مفتوحة أمام شذاذ الافاق من كل صوب وحدب ليدخلوا سوريا دفاعاعن أهل السنة ..!!! وليس فلسطين ...!!! هنا صمت الغرب أمام هذا الوضع الخطير وراح يتفرج على الأحداث وكأنها لاتعنيه من قريب أو بعيد ..وكانت الأحلام التركية تنحسر بالحصول على منطقة آمنة داخل الاراضي العربية السورية تكون خاضعة للسيطرة التركية وتضاف إلى لواء الاسكندرونة المغتصب بالأصل من الوطن العربي... ولم تكن القيادة التركية تحسب أي حساب للقادم من الأيام ولم تكن صاحبة فكر استراتيجي لخوض مثل هذه المغامرات فقد اغفلتْ دور الاكراد المتنامي داخل الجمهورية العربية السورية واعتدتْ عليهم ومازالت تفعلُ ,ومارست تركيا الصراعات الشيفونية ضد أكراد تركيا وبحكمها أنقسم المجتمع التركي وسادت الكراهية فيما بينهم فصارت تركيا ..كردية وشيعية وعلوية وسنية..واقع جديد يعرفه المواطن التركي ودوائر المخابرات الدولية..يضاف لها ملف الاجانب المسلحين ,الذين تأويهم وتعيدهم إلى أوربا وهم بعينها وبقلبها..ولم تكن تفكر في مصالح الدول العظمى ؛لانها اعتمدت على حلف الناتو العسكري وعلى حليفتها دولة اسرائيل في المنطقة ..وراهنت مع نفسها على أهمية الدور التركي في المنطقة وتركت خيالها يسرح ويمرح دون أذن واعية لما يدور في الخفاء ..حتى تبينت الامور اثناء سقوط محافظة أدلب بيد المسلحين القادمين من الحدود التركية بأعداد مهولة ..فكان التدخل العسكري الروسي لابد منه لدرء الخطر عن حدود سوريا قبيل انتقاله إلى بلدان أخرى ربما منها روسيا الاتحادية..في هذه اللحظة تغيرت كثير من المخططات وانقلبت الارقام وأصبح الطيران الروسي صاحب القرار على أرض المعركة...فكانت تركيا تفتقر تماما للرؤية الصحيحة وللفكر القيادي السياسي ,فتحرشت بروسيا اثناء حادثة اسقاط الطائرة الروسية ودفعت بعد ذلك الثمن غاليا...فقد كلفها الأمر وسيكلفها في السمتقبل أيضا...فلوحظ ازدياد الدعم الروسي العسكري وتواجدت قواتهم الصاروخية الضاربة وتحسن وضع الاكراد والجيش العربي السوري وتغيرت خريطة القتال وانحسر الدور التركي وابتعد عن المشهد وأخذ التخبط يسير بهم مسارا معوجا في كثير من الأحيان...فلم تستطع تركيا ارسال مقاتلة واحدة إلى سماء سوريا ولم تمنع الروس من التفكير في اكراد تركيا كورقة رابحة لتهديد الوضع الداخلي التركي المنقسم على نفسه اجتماعيا بصورة تهدد أمن البلد وتكوينه الداخلي..ولم تحمي جبل التركمان كما توعدت بل ذهب الى محرقة برمته دون ناصر ولا مغيث...فعادت وراهنت من جديد على الناتو والحلفاء الاقليمين من أجل تدخل عسكري بري في سوريا ,وساد الغموض موقف الناتو بل كان التجاهل سيد الموقف , وان كان شعار التدخل هومحاربة داعش ...!!! وعادت من حلف الاطلسي بخفي حنين ,وهي حتى اللحظة لاتستطيع أن تصدق بأن أوربا ليست على استعداد لخوض حرب مع روسيا بسبب تركيا ,وهذا هوالواقع الذي يجب ان تفهمه تركيا ويجب أن تفهم وتتقبل بأنها لاعب محلي قصير القامة كبقية دول المنطقة ولافرق بينها وبين فلان وعلان...وتركيا الآن خارج اللعب سياسيا وعسكريا والقرار عائد إلى طاولة المفاوضات بين روسيا الجديدة وأمريكا ..ومن يجلسون حول هذه الطاولة يعرفون هذه الحقيقة , فإن صدقوها لا بأس عليهم وإن لم يصدقوها فهم أحرار في تصورهم....أما من يحلم بتحالف عسكري اسلامي فهو لايعرف معنى هذا التحالف ,الذي قراره على الورق فقط وفي فنادق الدرجة الاولى ومطاعمها وصالاتها...لان حلفاء اليوم هم اعداء منذ نشأة الدولة السعودية وطرد العثمانيين ؛ولان المراقب للمشهد يعرف ان مصر وتركيا لاتجتمعان على مائدة الدولارات الخليجية في جلسة واحدة..والدسائس هي المشهد الحقيقي بينهم, وحيث تتسارع الاحداث العسكرية وتتسارع المشاهد السياسية من أجل وضع حد للعب على الاراضي السورية فقد اصبحت تركيا { شائت أم أبت } خارج اللعبة سياسيا وعسكريا.
مقالات اخرى للكاتب