بسم الله الرحمن الرحيم
يعيش العراقيون في هذه الأيام أحداث الذكرى السنوية للإنتفاضة الثعبانية المباركة، تلك الإنتفاضة التي غيّرت مجرى الأحداث في بلاد الرافدين وترجمت ملامح نهوض حقيقي لشعب العراق، والتي اشتركت فيها جميع ألوان وأطياف وقوميات الشعب العراقي، الإنتفاضة التي أسقطت جدار الخوف وعزمت على تغيير النظام الصدامي ومحاسبة جميع المجرمين والمسؤولين عن الحروب والقمع والاستبداد والتعسف وسرق
ة أموال العراقيين.
كانت أهم الأسباب التي دعت الى الإنتفاضة هي كالآتي:
أولا- الإضطهاد والعبودية والحرمان والخوف الذي عاشه الشعب العراقي في ظل القيادة الشيطانية لحزب البعث.
ثانيا- الحروب التي شنّها النظام الصدامي على دول الجوار، ابتداءا بالإعتداء على ايران وانتهاءا بغزو الكويت.
ثالثا- الإعدامات المجانية التي نفّذها النظام بحق الأبرياء، بالإضافة الى القمع والإعتقالات العشوائية، ومصادرة ممتلكات وأملاك الناس لأسباب تافهه.
رابعا- محاربة الشعب على أساس انتمائهم الطائفي والإثني والقومي، حارب الشيعة لكونهم شيعه، وحارب الأكراد لكونهم أكراد.
خامسا- منع المواطنين من ممارسة طقوسهم الدينية، والتصفيات التي قام بها النظام بحق رموز الدين وقادة المجتمع.
سادسا- سرقة أموال الشعب وعدم ممارسة التوزيع العادل لثروة العراق.
سابعا- منع الأغلبية من ممارسة حقهم في الإلتحاق بالكليات العسكرية والأمنية وابعادهم عن مواقع التمثيل السياسي والدبلوماسي.
ثامنا- منع الشعب من ممارسة حقه في انتخابات عادلة تشرف عليها الأمم المتحدة.
تاسعا- التركيبة القبلية والعشائرية للشعب العراقي الذي لايقبل الذل والسكوت على ظالميه.
عاشرا-التشجيع الذي لقيه أبناء الرافدين من الحلفاء للإطاحة بنظام البعث في العراق.
جميع هذه الأسباب اجتمعت لتساعد على انطلاق انتفاضة شعبية عارمة استطاعت أن تسقط 14 محافظة عراقية بقضها وقضيضها وفي غضون أيام معدودة، استمرت الإنتفاضة في الحكم لمدة اسبوعيين فقط، لم يهاجم الثوار مسجدا أو مدرسة أو مركز صحى أو خدمي، بل هاجموا مراكز القمع والإستبداد ومراكز الشرطة والمحافظات ومديريات الأمن والمخابرات ومواقع الجيش الشعبي والمنظمات الحزبية وكل ما ينتمي الى أجهزة القمع البعثية، بينما شاهد الجميع كيف أن البعث قاد هجوما بربريا مدمرا كاسحا لم يحدثنا التأريخ مثيلا له على شعب أعزل، حيث استخدم المهاجم الطيران والصواريخ والمدفعية الثقيلة ليدمرّ المساجد والمراقد والمستشفيات والبيوت والممتلكات، كان هجوما ساحقا شاملا، حتى لم يعطى الوقت الكافي لأخلاء الجرحى والمرضى والأطفال والشيوخ، كل ذلك كان يحدث تحت مرأى ومسمع قوات التحالف الأممية التي لم تحرك ساكن لإيقاف تلك المجزرة الإنسانية التي اكتوى بنارها أكثر من عشرة ملايين انسان. هرب الناجون من تلك المحرقة من سكان المدن المنتفضة الى الدول المجاورة لإيجاد ملاذ آمن لهم ولعوائلهم، ومن هناك ابتدأت رحلة المعاناة الأخرى، انقسم المهجرين بين مقيمين في المخيمات الصحراوية، كما هو نصيب نزلاء رفحاء في السعودية، وبين مقيمين في الشوارع والحسينيات والمساجد، كما هو نصيب المهجرين الى ايران، معاناة استمرت طويلا الى أن وجد البعض منهم منفذا الى الدول الأخرى ، والبعض الآخر بقيّ في تلك المعسكرات الى أن أطيح بالنظام الصدامي سنة 2003.
بينما نجد أهم العوامل التي أدت الى فشل الإنتفاضة الشعبانية هي:
أولا- غياب القيادة الموحدة للعمليات على مستوى المحافظات المنتفضة، وغياب التنسيق بينها، وذلك بسبب غياب الإتصالات بمختلف أنواعها نتيجة التدمير الكامل التي تعرضت له البنية التحتية العراقية.
ثانيا- افتقار المنتفضين الى الأسلحة الثقيلة، ومنع الحلفاء من وصول الثوار الى مخازن الجيش العراقي في تل اللحم وقاعدة الأمام علي في الناصرية.
ثالثا - السرعة التي قمعت فيها الإنتفاضة، حيث لم تعطى وقت للتنظيم.
رابعا- افتقار الإنتفاضة الى قادة الأركان، القادرين على تنظيم العمليات، وذلك بسبب خلو المناطق الشيعية تقريبا من الأفراد الحاملين لرتب ركنية، وذلك يعود الى الأسباب الطائفية في عدم قبول الشيعة في كليات الأركان.
خامسا- سماح الحلفاء لصدام بإستخدام طيران الجيش لقمع الإنتفاضة، وفتح الحصار عن بعض الفرق العسكرية العراقية المحاصرة في البصرة، جاء ذلك بسبب الدفع الطائفي والمذهبي من قبل بعض العرب المشاركين في التحالف الدولي، حيث كان الدور السعودي واضح في قمع الإنتفاضة، والدليل، ما قاله الأمير السعودي سعود الفيصل فى كلمة ألقاها أمام مجلس العلاقات الخارجية فى نيويورك فى ذلك الوقت, حيث قال " لقد خضنا حربا لأبعاد ايران عن العراق بعد طرد العراق من الكويت" هذا الكلام يجسّد الدور الذى لعبته المملكة السعودية فى منع العراق من أن ينال حريته وينتصر لشعبه.
سادسا- دور المخابرات الصدامية في تشويه الإنتفاضة، وذلك من خلال اختراق المنتفضين ورفع صور لقادة ايرانيين، ورسم صورهم على جدران الأبنية ومن ثم تصويرها وتسريبها الى الخارج على اعتبار الإنتفاضة هي امتداد لإيران الإسلامية.
كانت الإنتفاضة الشعبانية سنة 1991 عراقية المشاركة واللون والطعم والرائحة 100%، وبغض النظر عن بعض المغرضين والمشككين الذين يدعون دورا ايرانيا فيها، انها كذبة واهية وغير قابلة للتصديق، لو كان الذي يدعوه صحيحا من مشاركة ايرانية عسكرية تقدّر بعشرات الآلاف من الجنود وبكامل عدتهم العسكرية، أولا ، لكان من السهولة على قوات التحالف كشفهم عن طريق الرصد الجوي، على اعتبار أن سماء العراق كلها كانت تحت سيطرة الحلفاء، ثانيا، ان التحاق هذا الكم الكبير من القوات بصفوف الثوار، حتما سيغيّر موازين القوى لصالح الانتفاضة، يقابله ضعف في الجيش الصدامي نتيجة ضربات الحلفاء، اضافة الى أن جواسيس قوات التحالف هم موجودين داخل العراق، فلم يقدموا أي دليل مادي مصوّر حول اشتراك ايران في أعمال الإنتفاضة، بالإضافة الى أنّ جميع الذين اعتقلوا وأعدموا من قبل القوات الصدامية أثناء الهجوم المقابل هم عراقيون، ولو أنّ هناك فردا واحدا ايرانيا فسوف لن يتردد نظام البعث في نشره على وسائل الأعلام، واذا زدنا في ذلك، بأنّ جميع الذين وجدوا في المقابر الجماعية بعد السقوط لا يوجد بينهم أجنبي، بل هم أطفال ونساء وشيوخ مع ملابسهم وهوياتهم العراقية.
كانت أهداف الإنتفاضة هي اسقاط النظام العفلقي ومحاسبة أركان ومجرمي البعث عن كل الجرائم التي اقترفوها بحق الشعب العراقي، واقامة حكومة وطنية ديمقراطية قائمة على العدل والمساواة وحكم الأغلبية، مع اقامة علاقات دولية متكافئة مع دول الجوار قائمة على المصالح المشتركة، واعادة بناء ما دمرته الحروب والنزوات الشخصية لصدام. سقط النظام الصدامي في سنة 2003، وتغيّرت الوجوه التي تحكم العراق، ولكن القتلة عادوا بثوب جديد ، عادوا بثوب الطائفية والمذهبية ليقتلوا العراقيين، عادوا أشد فتكا بالجنس العراقي وبتدمير مابقيّ من بناءه التحتية، والأجهاز وبالشكل الكامل على دعاة الديمقراطية وحكم الأغلبية والعملية السياسية الجديدة، ليخلوا لهم الطريق للعودة الى ممارسة السلطة المطلقة، نطالب جميع القوى السياسية بالإنتباه وتغليب المصلحة الوطنية على مصالحهم الشخصية، واعطاء مساحة أكبر لأبناء الانتفاضة الشعبانية للمشاركة في السلطة، لأنهم الذين عبدوا الطريق بدمائهم الزكية للتغيير، فقسم كبير منهم لازالوا مبعدين ومهمشين، لم ينصفوا ولم يعطوا الفرصة الكاملة لممارسة دورهم في قيادة المجتمع، بينما نجد بعض المجرمين ممن تلطخت أيديهم بدماء العراقيين يأخذوا مكانهم في السلطة، ويستلموا الرواتب الضخمة، والتعويضات الخيالية تحت اسم المصالحة الوطنية، انّ أبناء انتفاضة شعبان لا يستجدون المساعدة، وانما يطالبون بحقوقهم العادلة التي سيناضلون من أجل ا لحصول عليها.
مقالات اخرى للكاتب