خرائب ساحة الميدان الشاخصة واجتثاث معالم ذاكرتنا الزاخرة ـــ مهدي قاسم
تكاد كل طرقاتي و دروبي أن تؤدي إلى ساحة الميدان ، مثلما دروب البعض إلى روما ، و ذلك حينما أذهب إلى مركز العاصمة ، و خاصة أثناء سعيي و انعطافي نحو شارع المتنبي كل يوم الجمعة ، حيث الكتب الرائعة و اللقاءات المباغتة و البهيجة مع أصدقاء و معارف تعايشنا معهم سنينا طوال في بلاد الغربة و الشتات ..
فساحة الميدان كانت جزءا حيويا و شاخصا في ذاكرتنا نحن شباب ذلك الزمن النابض بالازدهار الثقافي و الفني ، وخاصة بالحماس المتدفق نحو التغيير و تحقيق العدالة في العالم ..
فمن هناك كنا نذهب إلى شارع الرشيد ، ذلك الشارع النظيف و الجميل ، آنذاك ، والحافل بمقاهيه الكثيرة المترنمة بأغاني أم كلثوم ، و غالبا ما كانت تتحول تلك المقاهي إلى أمكنة لقاء و التقاء بين كتّاب و شعراء و رسامين و أعداد أخرى من مثقفين " معقدين " ، و من هناك ـــ مثلما أسلفنا ـــ كنا ننعطف شطر شارع المتنبي متجولين و متسكعين لساعات طويلة بين مكتبات لبيع كتب ، ولا نخرج إلا محملين بأكياس مثقلة بكتب مختلفة للمطالعة ..
و ساحة الميدان ذاتها كانت تنبض بالحياة ، كخلية نحل نشطة و مثابرة وزاخرة بروادها القادمين من كل أرجاء و نواحي بغداد و العراق أيضا ، حيث كانت المحلات و المطاعم و المقاهي تتوزع هنا و هناك ، و حيث مواقف الباصات سيما سيارة باص رقم 4 ، التي كانت تقلنا عبر شارع الرشيد نحو "سنك " و جسر الجمهورية و المضي نحو ساحة التحرير و حديقة الأمة و " باب الشرجي "و دور السينما العديدة و مدخل شارع السعدون الطويل و العريض و النظيف آنذاك..
هذا كان في زمن مزدهر قد مضى وانقضى ، ولكن في ذاكرتنا بقى و ترسخ ..
أما الآن ، فتبدو ساحة الميدان تلك التي كانت مزدهرة و زاخرة بالحيوية و النشاط ، عبارة عن خرائب و أنقاض و كثرة نفايات هنا و هناك ، و بصورة أوضح كأنها عبارة عن ميدان حرب طاحنة و ضارية قد توقفت لتوها !..
و آنذاك بالضبط ...يشعر المرء وهو يرنو مذهولا و مصعوقا إلى خرائب و أنقاض و نفايات ساحة الميدان ، و كأن مسئولي أمانة العاصمة : منهم السابقين و الحاليين بإهمالهم ساحة الميدان بخرائبها و نفاياتها بكل هذه المدة الطويلة و بهذه الصورة البشعة و القبيحة ، و عدم المبادرة بإعادة أعمارها و تجديدها و تطوير بنيتها التحتية مع الاحتفاظ بطابعها التراثي أو المعماري السابق ، فأنهم بذلك إنما قد أرادوا اجتثاث جزء مهم من ذاكرتنا البغدادية و العراقية على حد سواء ..
ولكن هل أفلحوا بذلك ؟!..
قطعا لا ..
فلتحل عليهم لعنة الله و لعنة الشعب ، و ليتحول كل ما سرقوه أو اختلسوه من المال العام إلى علب أدوية و إلى نفقات أسرة مستشفيات ..
أمين يا رب..
بطبيعة الحال أن مقاضاتهم ومعاقبتهم أفضل بكثير من مثل هذه الأمنية الغيبية ..
مقالات اخرى للكاتب