يعتبر كتاب الأمير لميكافيلي و الذي يلخص فلسفة الغايه تبرر الوسيله و فكرة كل ما هو مفيد للأمير - الطاغيه - فهو ضروري الكتاب المفضل للطغاة في العصر الحديث و خصوصاً نصيحته للطاغيه بأن يعتمد على رجال من قاع المجتمع و حثالاته ليكونوا حاشيته و أذرعه التي يحكم بها لأنهم مأموني الولاء و ذلك لإرتباط ما وصلوا إليه من جاهٍ و ثروه و نفوذ ببقاءه هو ممسكاً بالسلطه.
أما نوري المالكي و لأنه إسلاموي أصيل و شرقي " تُكمه " فقد آثرَ أن يبتعد عن كتب الكفار المهرطقين و أن تكون حكايات ألف ليله و ليله مرجعيته للحكم.
يحكى إن ثلاثه من " العُفطيه " الدايحين و بعد أن ملت الناس منهم و من " طلايبهم " قرروا أن يغادروا ولايتهم و يديحوا في أرض الله محاولين أن يبدأوا من جديد في ولايه لا تعرف ماضيهم العُفطي. و بعد أسابيع من الدَيَحان قادتهم الصدفه إلى ولايه كان الخير و الغنى و الرفاهيه ترفرف عليها و كانت واضحه للعيان في قصورها المشيده و أسواقها العامره و شوارعها النظيفه المعبده المشجره وكانت و جوه ناسها تشع سعاده و فرح و الخير و النعمه واضحان في محياهم و في هيئتهم و ملبسهم و لكن ما أثار إستغرابهم أشد الإستغراب هو صوت المُنادي و هو ينادي في أسواق المدينه (( يا أهل الولايه الطيبين ألا من شجاعٍ منكم يقبل أن يكون والياً هل من مقدامٍ بطل يقبل أن يكون والياً وله من الله الأجر و الثواب و من أهل الولايه الشكر و الإمتنان و العرفان بالجميل )) فتعجبوا أشد العجب لهذه المناداة و أثارت إستغرابهم، و تسائلوا لماذا يرفض الجميع أن يكون والياً على هذه الولايه الغنيه و ناسها الذين يفوحون طيبه و وداعه و تواضع فقادتهم حاجتهم لمعرفة الحقيقه لسؤال صاحب أحد الدكاكين عن الأمر فأجابهم (( إن من يتولى الحكم في ولايتنا لا يدور عليه الحول إلا و يميته الله ميته كريهه قبل أن يتم عاماً في الحكم لذا يرفض الجميع تولي الولايه و نحن على هذا الحال لعقود من الزمن )) و هنا سأله أحد العفطيه الثلاث (( و هل تقبلون غريباً والياً عليكم )) و بين تعجب رفيقاه و إستغرابهم من السؤال، أجابه صاحب الدكان (( نحن نقبل بأيٍ كان و لو كان الجن الأزرق )) و هنا أجابه العفطي مع ذهول رفيقيه (( أنا أقبل أن أكون والياً عليكم )) ففرح الرجل أيما فرح و أخذه مباشرتاً وهو يطير فرحاً لمجلس أعيان الولايه و أشرافها و الذي كان في حالة إنعقاد دائم منذ خلو منصب الوالي و أبلغهم بالنبأ السعيد و الذي إستقبلوه و سط صيحات الفرح و زغاريد النسوه و ذلك لإنتهاء أزمة شغور منصب الوالي على خير، و تم تنصيبه والياً و سلموه صولجان الحكم. و بعد أن إستلم الحكم و جلس على كرسيه طلب من رفيقيه أن يبقيا معه و يشاركاه حياة الرفاهيه و العز و البذخ بعد سنوات العوز و شظف العيش و لكنهما رفضا ذلك بشده و قالا له (( يعز علينا و أنت رفيقنا في سنين العفطنه و الديحان أن نحضر ميتتك الكريهه لذا نحن مغادران و لكننا سنعود لنرى ما جرى )). و قام بتوديعهما لباب الولايه و عاد ليمارس الحكم.
و بعد مضي العام عاد العفطيان إلى الولايه و أول ما لفت إنتباههما هو تبدل أحوال الناس فبدل الوجوه السعيده المستبشره خيراً كانت الوجوه كئيبه و العقول شارده و البؤس واضح على هيئتهم و ملبسهم وقد لبستهم الكآبه و ليعرفا ماذا جرى خلال هذا العام وما سبب كل هذا التبدل في أحوال الناس قادتهم أرجلهم إلى صاحب المحل ذاته الذي تحدثوا معه في الزياره السابقه و سألاه أن يدلهما على قبر زميلهما العفطي الوالي السابق ليقوما بواجب زيارته و قراءة سورة الفاتحه على روحه و هنا كادا أن يُغمى عليهما من شدة الصدمه و شهقا شهقة فرح كادت أن تودي بهما عندما أخبرهما إن سمو الوالي ما زال حياً يرزق و يمارس الحكم من قصره العامر، فما كان منهما إلا أن طارت بهم أرجلهم تسابق الريح للوصول إلى قصر الوالي.
و بعد أن إستقبلهما الوالي بما يليق بهما من حفاوه و تكريم كرفيقين سابقين أيام العفطنه و السرسرلوغيه و الديحان، مُدت لهم موائد الطعام بما لذ و طاب من المأكولات و أنواع النبيذ المعتق الفاخر أبيضه و أحمره و صدحت الموسيقى و تَلَوَت الهيف الحِسان و هن يهززن كل مُكَوَر و مُخَصَر في أجسادهن الممشوقه، و لكنهما قبل أن يمدا أيديهما للطعام قالا له إننا لن نأكل ما لم تخبرنا بما حصل و كيف تمكنت من أن تنجو من الموت المحتوم كما هو مصير من سبقوك في حكم الولايه، فقال لهما (( سميا بالله و إبدءا الأكل و سأحكي لكم حكايتي مع هذه الولايه الطيبه و أهلها الطيبين )) و بدأ يسرد لهما ما جرى.
(( بعد فتره من إستلامي الحكم سألت كبير الياوران أن يحكي لي الحكايه وما قصة الميته الكريهه لجميع من سبقني من الولاة قبل إنقضاء عام على وجوده في الحكم فأخبرني كبير الياوران، إن أهل هذه الولايه من النقاء و الطيبه و حبهم الخير لجميع الناس فإن دعائهم مُستجاب و بما إن سلطة الوالي سلطه مطلقه و السلطه المطلقه مفسده مطلقه فإنه ما أن يستتب له الحكم حتى يبدأ بسرقة المال العام و ظلم الناس و أكل حقوق الأيتام و الأرامل و توزيع أموال بيت المال على أقاربه و محازبيه و حاشيته الفاسده بغير وجه حق و يشتري ذمم ضعاف النفوس من خصومه ليكسب ولائهم، فإنهم يدعون إلى الله أن ينقذهم منه فيميته الله ميته كريهه. و عندها و بعد تفكير و إستعانةً بخبرتي من أيام العفطنه وجدت الحل لهذه المعضله، حيث أمرت المنادي أن ينادي في الناس على إن العرافين و المنجمين تنبأوا للولايه بسنوات قحط تستمر ثمانٍ عجاف و عليه فعلى جميع أهل الولايه أن يسلموا للحكومه كل خزينهم من المواد الغذائيه لتقوم بتوزيعها عليهم و حسب البطاقات التموينيه التي ستوزعها الحكومه عليهم لاحقاً فقام الجميع بتنفيذ الأمر طواعيتاً و ذلك لطيبتهم و صدقهم و نقائهم و سلموا كل خزينهم من الغذاء لحكومة الولايه.
و بعد مضي فتره أمرتُ المنادي أن ينادي في الناس إن العرافين و المنجمين إكتشفوا خطأ في قرائتهم لطالع الولايه و أنه ليس هناك من أيام قحط قادمه و عليه فليحضر الجميع لإستلام ما سبق أن سلموه لبيت المال من مواد غذائيه، فحضر الجميع و كان الجميع في حوار مع نفسه و لسان حاله يقول " وماذا لو كانت القراءه الأولى لطالع الولايه هي الصح و القراءه الثانيه هي الخطأ " و عليه فقد حسم الجميع أمره ومن كان قد جلب كيس طحين إدعى إنه جلب 3 أكياس و هكذا باقي المواد فنفذت المواد و أكثر من نصف أهل الولايه لم يستلموا ما كانوا قد جلبوه فبدأوا بالشكوى و الصياح و هنا تدخلتُ و طلبت منهم أن يهدأوا و إن الخير موجود و طلبت من الجند أن يجلبوا الموجود في خزائن القصر من مواد غذائيه و يوزعوها و حسب طلبات أهل الولايه و تصرف الذين لم يستلموا كما تصرف من سبقوهم بأن أخذوا أكثر مما جلبوه فعلاً و هكذا أفسدتهم جميعاً و حولتهم جميعهم إلى حراميه مثلي فلم يعد دعاؤهم مستجاب )). و توته توته خلصت الحدوته و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .
مقالات اخرى للكاتب