قد يبدو العنوان مُستَفِزاً و الموضوع شائكاً، و لكن ما جرى للأخوه الأيزيديه أخيراً أبكى الصخر قبل البشر، لذا كان السير في حقل الألغام هذا لتوضيح بعض المفاهيم المُلتبسه على الكثيرين أبسط صوره من صور التعاطف معهم، و أقل واجب ممكن أن يقوم به إنسان نحوهم وهو من أضعف الإيمان.
يظن الكثير من الناس خطأً، إن ما يسمى بالديانات الإبراهيميه الثلاث - اليهوديه و المسيحيه و الإسلام - هي فقط الديانات الموحِده للخالق الإله الواحد الأحد عز و جلة قدرته، و هذا خطأٌ شائع حيث إن الفرعون المصري أخناتون كان يُدين بديانة التوحيد للخالق عز و جل، و كذلك الديانه الأيزيديه فهي من أقدم الديانات الموَحِده على الأرض، وحتى قبل الديانه اليهوديه كما يُعتَقَد.
أما ما يُشاع عنهم خطأً بأنهم يعبدون الشيطان، فهو كذبٌ و إفتراء و محض هُراء سخيف مناقض للحقيقه، القصه وما فيها إن لهم وجهة نظر تختلف عن وجهة نظر أتباع الديانات الإبراهيميه في واقعة عصيان إبليس لأمر الله عز و جل بالسجود لأبونا آدم، وكان هذا الرفض بالسجود متأتياً من إيمانه - إبليس - الحقيقي و العميق و الذي لا يتزعزع بوحدانية الله الذي لا يجوز السجود لغيره. لذا فهم يعتقدون إن ألله كافأه و جعله رئيساً للملائكه السبعه - يبدو إن الرقم سبعه بهالة القدسيه التي تحيطه هو أيضاً من المشتركات بين الأيزيديه و الديانات الإبراهيميه - الذين يساعدوه في إدارة الكون، و في هذا جزء مما يعتقد به أتباع الديانات الأبراهيميه، فهم أيضاً يعتقدون بأن إبليس كان رئيساً للملائكه قبل أن يعصي أمر الله بالسجود لآدم، و يغضب عليه الخالق و يطرده من ملكوته. وهنا نلحظ تشابهاً كثيراً بالأحداث، مع إختلاف تسلسل أو سيناريو حصولها، و نهايتها السعيده لإبليس كما يعتقدون، و الحزينه المأساويه كما يعتقد أتباع الديانات الإبراهيميه.
إن مأساة إبليس كما سماها المفكر العربي صادق جلال العظم في عنوانه الفرعي لكتابه الأشهر " نقد الفكر الديني " الصادر في نهاية الستينيات أو مطلع السبعينيات، و الذي تعرض بسببه للتكفير و المحاكمه، قد ناقش فيه واقعة رفض إبليس السجود لآدم، و عاقبة هذا الرفض، وكان في عرضه و تحليله للواقعه متعاطفاً مع مبدأية إبليس، و إيمانه العميق بوحدانية الخالق، و متفهماً لموقفه الرافض للسجود لآدم، رغم المأساة التي تنتظره بطرده من الملكوت الأعلى كما حصل فعلاً، و الدكتور العظم مسلم و ليس أيزيدي وقد يتفهم الكثير من المسلمين حقيقة موقف إبليس و دوافعه النبيله - من منا يُنكر نُبل و عظمة فكرة الإيمان المطلق الذي لا يتزعزع بوحدانية الخالق عز و جل - و هذا لا يعني بالضروره تأييدهم له بموقفه.
أحد الأصدقاء يعمل في سوق جميله للخضار وهو مختص بتجارة الطماطه فقط، حيث يقضي السنه متنقلاً لشراءها و حسب المواسم من البصره إلى النجف إلى الموصل و سنجار، مما أسمعه منه دائماً " اليزيدي خوش إنسان و ثقه و لتدور وراه و دائماً طماطته أنظف طماطه نشتريها، وما بيها وحده معيوبه "، فأحاول أن أستفزه " لعد و إحنه شبينه أبو حسين " فيجيبني مصحوباً بنظره ممزوج فيها العتب و الإستهزاء و الغضب " إحنه الإسلام، خليها سكته أبو علاوي لتخليني أصير مثل تفال السما، مو إحنه أصلاً إذا ميغُشك ميرتاح " فلا أجد ما أجيبه به مع الأسف إلا الحوقله.
هذا بعض ما أعرفه عن شيطان الأيزيديه، حاولت أن أنقله بصدق و أمانه، أما " رحمن " الداعشيه فسأتركه لضمائركم لتحكموا و ليس لي إلا الحوقله بإسم الله العلي العظيم الرحمن الرحيم السلام الكريم.
مقالات اخرى للكاتب