حالما انتهت الممرضة الشقراء من سحب آخر عينة من دمي وكنت آخر المراجعين، قالت كعادة الانجليز ان الجو حلو هذا اليوم. اردت ان أقول لها صار حلوا بفضل جمال وجهك لكني تراجعت. قلت لها نعم وكأننا لسنا في لندن. قالت: انك عراقي، أليس كذلك؟ يا الهي! وهل عرفت ذلك من دمي؟! كلا انه حدس لا أكثر. الذي يحدس يا حلوة لا يطلق حكمه على جنسية انسان بهذه الثقة. انهم عادة يسألوننا: من اين أنت؟ ضحكت وقالت لي ان زوجها عراقي. والنعم.
وبلشنا بالحديث عن العراق ومصائبه. هي ترفع وانا اكبس ثم انا ارفع وهي التي تكبس. مرة بالعربية واخرى بالانجليزية. والنتيجة؟ قالت خصم الكلام انكم انضربتم بوري!! بصراحة خلتها قالت "نوري" وليس بوري. ضحكت مرة أخرى وردت بالإنجليزية: وشنو الفرق؟ فعلا يا كنّتنا ماكو فرق.
ودعتها مهموما أتطلع بوجوه الناس المفعمة بالحياة. كان بودي ان اصيح بهم هنيالكم ما انضربتم لا بوري ولا نوري. والله، يا آل ابي ناجي لو مر عليكم عشر ما مر بنا لكان أفضلكم يحك بعلباته من الحيرة.
وكما الذي يعد الحسبات صرت اعدد "البوريات" التي ضرب بها العراقيون فرادى وجماعات. من بوري أميركا الى داعش ونزولا الى "المارد والقمقم" وصعودا الى ذلك الذي قوّل الله ما لم يقل في "العدل أساس الملك".
طه حسين الذي ابكاني في الصغر بكتابه "المعذبون في الأرض" صرت استرجع بقاياه في ذاكرتي وكأنها زلاطة حتى وان جمعتها مع بؤساء فكتور هوجو. لو ان أيا منهما كان عراقيا ربما جعل عنوان كتابه "المضروبون بوري". ما ذكراه من مصائب وتراجيديات ودموع لا يساوي ربعا من بوري مجزرة "سبايكر" الذي ضربنا به أبو "البوريات" في آخر عام من ولايته الثانية.
أي قدر هذا الذي اختارنا هدفا لبوريات الخراب والفساد والدم والتفجيرات والحرامية؟ وعلام استغرب وانا ابن بلد استغربت به عراقية من عراقية أخرى كانت تنوح:
مثل ام ولد غركان وابره الشرايع
كلمن وليفه وياه بس ولفي ضايع
سخرت منها:
متعجبه هاي تنوح غركان ابنها؟
ربع الأونّه اعليك توصلّه فنها
ياله من بوري!
مقالات اخرى للكاتب