تعرضت كركوك والكثير من المناطق الكوردستانية الأخرى على أيدي الحكومات العراقية المتعاقبة، ولاسيما في عهد البعث، الى حملات تعريب ظالمة يمكن إدراجها ضمن الفواجع التي عانى منها الكورد في العراق، وفي ظل تلك الحملات الشعواء توافدت العوائل العربية اليها وحصلت فيها على امتيازات السكن والعمل الباذخة..
وتيرة التعريب تصاعدت في بداية السبعينيات بقفزات متتالية، واستخدمت السلطة العراقية القوة بوحشية في التغيير الديموغرافي عبر سياسة تهجير و ترحيل الكورد من المدينة وأطرافها بهدف ايجاد الأكثرية العربية، ووزعت الاراضي السكنية والزراعية على الوافدين العرب، وبدا الكوردي غريبا عن مدينته، ومسقط رأسه، وأرغم على إملاء إستمارة تصحيح القومية وتسجيله عربيا..
وبعد سقوط نظام الدكتاتور ظل وضع كركوك مرهونا بالمادة الدستورية 140، وتنصلت الحكومات العراقية المتتالية من التزاماتها تجاه تنفيذ هذه المادة، أما الحكومتان المالكيتان فقد بثتا النعرات، ونجحتا في زرع بذور الفتنة وإثارة الفرقة بين الجميع، وأصبح الخصام والصراع والنزاع والتباغض سادة الموقف، وإستفاد من هذا الامر نفر ضال دون الشعور بحساسية الأوضاع وإحتمال تفجرها..
وبعد مرور سنوات على تجاوز مرحلة تنفيذ المادة 140 من الدستور، وانحراف العملية السياسية برمتها عن مسارها الطبيعي، نسمع اليوم مهاترات وتصريحات غير دستورية أو قانونية تحاول منع الكورد من إستعادة كركوك، ولاتعرف مديات إيمان الكورد وإلتزامهم بحقهم التاريخي العادل والمشروع..
نسمعهم يدعون رئاسة مجلس النواب العراقي الى عقد مؤتمر لمكونات كركوك لبحث النقاط الخلافية والنظر في إمكانية معالجتها، وكأننا لم نصوت على دستور يعالج قضية كركوك... يدعون الى إجراء انتخابات وفق قانون توافقي يرضي جميع الأطراف ويضمن حقوق أبناء كركوك، وهذا (التوافقي) في نظرهم يعني نسبة 32% لكل قومية، ويتجاهلون سجلات الاحوال المدنية وقوائم المواد التموينية ونتائج الانتخابات التي جرت هذا العام والتي تشير الى أن نسبة الكورد أكثر من 60%... بدلا من المطالبة بعودة اقضية طوز وكفري وكلار وجمجمال، المستقطعات بقرارات جائرة من كركوك، إلى كركوك، ينادون بأقلمة كركوك ويحاولون السير وفق تقويم سياسي يعادي النجاحات ويخلق الصراعات والأزمات بين مكوناتها، ويحاولون إضفاء الشرعية على خطط و ممارسات البعث الشوفينية والظالمة التي أدت إلى تفتيت محافظة كركوك و تصغيرها وتغيير ساكنيها و تبديل طابعها، ولاينتظرون نتائج الاستفتاء العام المثبت في الدستور.. يطالبون بجعل قضاء طوز محافظة ولايدرون أن هذا الامر مخالفة دستورية، ويقولون إن الحل في كركوك، يستدعي عودة الديموغرافية السكانية فيها، الى وضعها الطبيعي قبل 2003، ومن ثم تبني مشاريع الحلول الدائمية، ولايقولون إنه يستدعي إعادة محافظة كركوك إلى سابق عهدها، كما كانت قبل عام 1968..
وأخيرا نقول إن المتابع للشؤون الكركوكية يلاحظ نشوء نسق فكري مشترك بين الكوردي والتركماني، نسق يمثل تغليبا لثقافة الواقعية المواكبة للتغيرات، ومهم باتجاه الشخصية الكركوكية، ومعلم مبكر على التحاق الخريطة السياسية للمحافظة بخريطة الاقليم الكوردستاني، وأن مهاترات خصوم الكورد الذين لايرون إبعد من أنوفهم تصطدم بالواقع العقلاني، وتمتهن مشاعر المواطن التركماني الذي يرى أنه يزج به في صراع من اجل مصالح ذاتية تسقط فيها القيم.
مقالات اخرى للكاتب