تكثر هذه الايام تصريحات غريبة تربط بين الوضع السياسي وعلاقته بالوضع الامني سلباً وايجاباً,ويتحدث ابطال هذه النظرية العجيبة من ان سبب التفجيرات هو المأزق السياسي الذي تمر به البلاد وتناحر القوى السياسية فيه,ويؤيد هذا المبدأ كل القادة الامنيين وبعض الساسة (او السادة)النواب عن جهل فاضح بالوقائع. وللوهلة الاولى يبدو طرح هؤلاء البعض منطقيّاً ووارداً وبريئاً ,الا أن هنالك مكمن خطر للغاية وراء هذه التصريحات إذ انّه مهرب وغطاء يلتحف به القادة الامنيون الفاشلون ليخبّئوا وراءه فشلهم الذريع والمخزي. ان المنطق يقول ان لدينا اجهزة استخبارات ومخابرات واجهزة امنية منوعة مهماتها الرصد وجمع المعلومات والمتابعة والتنفيذ وبعضها يجمع (بل ويخلط)بين المتابعة والتنفيذ ,وان هذه الاجهزة مستمرة في عملها وتتفاعل مع المعلومات التي تردها في كل زمان ومكان ,ولادخل لها بالسياسة(او هكذا يجب ان تكون)كما يقال لنا ,وان هذه الاجهزة لديها معايير للنجاح والفشل ,واول هذه المعايير انها عبر عقد من تأسيسها قد نجحت (كما هو مفترض )في اختراق المجاميع الارهابية ووصلت الى عمقها وانها لاتعتمد على فتّاح فال في تحركاتها الامنية ,ذلك انها خلال العقد الماضي قد اعتقلت اصنافاً من كل التنظيمات الارهابيّة وسعت حتماً (كما هو مفترض )الى تجنيد البعض منهم ودفعت بعناصرها الاستخبارية للانضمام الى تلك المجاميع والعمل معها وخرق اتصالاتها ومراقبتهم بشكل صارم ,وبالتالي فان اي تحرك لهم هو تحت السيطرة ,وكما هو معلوم في الاوساط الاستخبارية في كل الدنيا ان اكثر مايقلقها هي فترات الهدوء لافترات الحركة ,لان فترات الهدوء تضعف المعلومات عن الخلايا التي تنام وتدخل في سبات فلايبين لها تحرك مريب ولاتنقّل مقلق ,اما في حالات الاضطرابات فهو عيد لدى الاجهزة الاستخبارية لان عملاؤها سيتحسسون الحركات المريبة للخلايا الارهابية راصدين اي توجه لها . وتأسيساً على ذلك لاتكون الاجهزة الامنية معنيّة بالوضع السياسي لانها تعرف مثلاً ان هنالك ارهابي معروف بالاسم وهي ترصده وترصد تحركاته وتتجسس على اتصالاته وتجنّد من يعمل معه وماان يتحرك ليفجّر فانها تمسكه بسهولة سواء كان علاوي والنجيفي زعلانين مع المالكي ام لا وسواء كان البارزاني يتعاقد مع اركسون او لايتعاقد ,فالاستخبارات والاجهزة الامنية لها اهداف مطبقة عليها وتستشعر خطرها وقادرة على تحديد حركة المجاميع الارهابية وافشال مخططاتها مهما كانت الاضطرابات السياسية ,بل ان الاضطرابات السياسية ستكون لقوى الامن عاملاً مساعداً لان قوى الارهاب تتحرك وتنشط في مثل هذه الظروف وبالتالي يسهل رصدها (هذا اذا كانت عندنا استخبارات اصلاً وهذا اذا كان عندنا خرق للمجاميع الارهابية وهذا اذا كان عندنا تقارير غير مفبركة يكذب فيها القادة الامنيون على قياداتهم ويصوّرون لهم انهم يتحركون ويخترقون ويرصدون). ان عالم الاستخبارات والامن عندنا هو عالم مزيف وفاشل ,ولم يستطع الى الان ان يكشف خطوات تفخيخ السيارات ,واقصى نجاحاته حين يمسك بسيارة مفخخة قبل تفجيرها وهذا فشل وليس نجاحاً,لانك حين تمسك بالعجلة المفخخة في الشارع(وهو مايحدث احياناً على طريقة من كل شاكه باكه)فهذا دليل على ان الارهابي قد نجح بالتخطيط للتفخيخ وبنقل المتفجرات ومستلزمات التفخيخ واوجد له وكراً سرياً للتفخيخ براحته وهيّأ لها سائق لينقلها قبل وبعد التفخيخ وتمكن من اعدادها وركنها في الشارع بعد ان عبر بها بنجاح (او بتواطؤ)السيطرات الامنية الفاشلة وبعد كل هذه المراحل وصلت لها بالصدفة او بشكٍّ من مواطن شريف يبلِّغ عن عجلة مشكوك بها . رغم ذلك فان الاجهزة الامنية تتفاخر بخيبتها حين تعلن عن اكتشافها لعجلة مفخخة وتفكيكها وكأن هذه العجلة قد نزلت بمركبة فضائيّة !!!. ونورد هنا مثالاً لماحدث في مصر إبّان ثورة 25 يناير ففي خضمّ الثورة والاحداث العنيفة وتحطم اركان الحكومة والدولة معاً وحين كان الرئيس المخلوع حسني مبارك يدلي بخطاب التنحّي ورغم كل ذلك كان هنالك فريق من المخابرات يرصد جاسوساً اسرائيليّاً وسط جموع المتظاهرين المليونية ويصوّره ويراقب خطواته وامسك به في وقت كان مبارك يترك الحكم ويطير الى شرم الشيخ والشارع يموج بالثورة والجيش في الشوارع !!!فلنا ان نتصور ان ضباط المخابرات كانوا يعملون بصمت بعيداً عن بركان الثورة المتفجرة ليؤدوا واجبهم باخلاص وتفاني لايلتفتون الى صراع الرئاسة لان لديهم المعلومات ولديهم المتابعة والتقارير ويتناوبون على هدف قد اطبقوا عليه. ان ماطرحته هنا ليس من بنات افكاري ولكنه كلام علمي يقوله خبراء بالعمل الاستخباري واورد هنا مقطعاً من كتاب الخبير الاستخباري الاستاذ بشير الوندي من كتاب له تحت الطبع عنوانه الامن المفقود يقول فيه ((إنَّ اياً من الإرهاب او الجريمة المنظمة يبدا ب(فكرة) تختمر في ذهن متطرف او مجموعة متطرفين ثم تسعى مجموعة منهم الى عمل( تنظيم) يتأثر افراده بالفكرة المتطرفة وبعد ذلك يعمل التنظيم على بلورة الارادة الجمعيّة كي تتحول فكرة القتال والصراع الى قرار قطعي وبعدها ينتقل الارهابي داخل التنظيم الى مرحلة (الاستعداد)وتشمل التدريب والتسليح والتجهيز كي يتمكن افراد التجمع الارهابي من ان يكونوا جاهزين لمعركة ما مع من يكفّرونه وبعد ذلك تعمد قيادة الارهاب الى (التخطيط )لعمل ارهابي تستعين فيه بالمنفذين سواء كانت معركة او تفخيخ سيارة او عمل انتحاري او جريمة ما وبعد ذلك يصل الارهابي او مجموعة ارهابيين الى مرحلة (التنفيذ),اذن نحن امام خمسة مراحل للعمل الارهابي او الجريمة المنظمة تتدرج كما قلنا بالفكرة ثم التنظيم ثم الاعداد ثم التخطيط فالتنفيذ. ان العمل الامني الناجح ينبغي ان يرتقي ليزحف على مراحل العمل الارهابي بشكل عكسي ,فحين تعلن القوات الامنية انها امسكت بعجلة مفخخة فهذا يعني ان الارهابي قد عبر مراحل العمل الارهابي الخمس باكملها واكمل التفخيخ اي وصل الى التنفيذ وهذا يصلح كبداية امنية ولكنه بعد سنوات من البناء الامني يُعَدُّ فشلا ذريعا للقوات الامنية وليس نصراً فمن غير المنطقي ان نحارب الارهاب عند تخوم مراحله الاخيرة المتقدّمة ,والطامّة الكبرى اننا نحاربه بسلاح الامن الوقائي اي بمراحل الامن الاولى)). ان من المعيب ان نعلّق فضيحة جهلنا الامني على شماعة السياسيين وصراعاتهم فلو كان لدينا جهد استخباري حقيقي لكفانا شر حمّامات الدم في الشوارع سواء كان المالكي والبارزاني يتقاتلون (بالتواثي) او يتبادلون (دباديب) في عيد الفلنتاين ومسكين ياعراق .
مقالات اخرى للكاتب