(هليل) شخصية فكاهية ذات كاريزما مميزة, تنثر الابتسامة في شوارع مدينة الناصرية كما ينثر الفلاح المجد حبات القمح في الحقل.
يملك ابتسامة تميزها المسحة الجنوبية باللحية البيضاء المحتفظة ببقايا سواد ريعان الشباب, هليل يختار زبائنه الكرماء اختياراً بالفراسة التي يتمتع بها دون غيرة من ذوي الاحتياجات من اصحاب العفة والتعفف.
كنت جالس في شركة اورك للإعلان بضيافة الفنان ناجي الغزي, ودخل هليل بطلته البهية يمسح بلحيته الطويل ويشير بيده يرافقها صوت ببحة الشجن الجنوبي (اريدها منك), اختلست النظر الى جيبي لم يكن فيه فئة قليلة من الورق النقدي, فأشرت الى استاذ ناجي ان يمنحه بعض المال نيابة عني, لكن هليل رفض.
اخبرت هليل باني والاستاذ ناجي واحد لا فرق بيننا, لكنه عاد ليكرر (اريدها منك), اشرت الى الاستاذ ناجي بان يحول العشرة الاف دينار الى اثنتين من فئة الخمسة الاف دينار, وكان لي ذلك.. اعطيت هليل الخمسة الاف, قدم كلمات الشكر بتلويح يده السريعة التي لا تتوقف عن الحركة وغادر المكان.
استغل استاذ ناجي الحادثة ليسرد لي قصة حصلت له مع هليل قبل ايام, قال " كنت في زيارة لقضاء سوق الشيوخ وصادفت هليل هناك, حين رآني اخذ يصرخ: هذا استاذ ناجي ضيف علينا.. حتى تجمع العديد من الناس من حولي يتضاحكون يتساءلون عن سر صيحات هليل, حينها استأذنت هليل بالمغادرة لأني كنت على عجلة من امري, لكنه رفض بشدة وبصوت عالٍ وجهوري كان يردد (والله ما تروح), كنت ارقب خجلاً عيون المارة وهم يحدقون بنا.
كنت اظن الرجل مازحاً بطلب الضيافة, لكنه سحبني بقوة الى داخل المطعم القريب, وامر بالطعام ودفع الحساب مقدماً قبل ان ينزل الطعام, كنت في ذهول من طريقة الرجل واسلوبه في الضيافة, فقد كان يمر عليَّ في مكتبي مرور الكرام ليأخذ ما قسم الله لنا من الصدقة ويخرج.. فما الذي اراه من هذا الفقير المسكين؟!.
ولازلنا نتبادل الحديث عن هليل, حتى اقتحم هليل علينا المكان بسرعته المعهودة, ومد يده لي بان اخذ الخمسة الاف, ضحكت باستغراب وقلت: هي لك, فقال وهو يحاول استمالة راسه يميناً وشمالاً: لا .. لا يمكن ان اخذ منك نقود وانت ضيف لدى استاذ ناجي, عيب عليَّ!!, رمى هليل الورقة النقدية عليَّ وخرج بنفس سرعة الاقتحام.
من تلك اللحظة وانا افكر بأمر هذا الرجل الوديع وهو يزرع الابتسامة ويمنحنا بعض من حكم الاولين مجاناً برسائل لمن يفتقد الى اصول التعامل الاجتماعي مع بني البشر من ابناء جلدته.
مقالات اخرى للكاتب