تنتمي أسرة آل خليفة الحاكمة في البحرين الى تجمع قبلي يعرف بالعتوب، وكان هذا التجمع يضم عددا من العشائر والبيوتات، ويتزعمه آل الصباح أسرة أمراء الكويت حاليا، وكان الحلف يضم آل خليفة والجلاهمة وآل علي وغيرهم من العشائر الصغيرة الأخرى.
وقد اُختلف في الانتساب القبلي للعتوب، فقيل هم من عنزة، وقيل هم من بني سليم بن منصور، وقيل أنهم من تغلب قضاعة، ويرى الدكتور أبو حاكمة: أن العتوب مجموعة من الأسر المختلفة النسب، وأن تسميتهم لا ترجع الى شخص، وإنما هي مأخوذة من الفعل الثلاثي عتب، وهو فعل معناه: أكثر الترحال من مكان الى آخر. (تاريخ الكويت الحديث: ص22ـ23، تاريخ شرقي الجزيرة ص73)
وكان العتوب يسكنون ميناء الديلم على الضفة الشرقية للخليج حوالي 200 كم جنوب عبادان، وبتعبير آخر كانوا من العرب الذين يسكنون إقليم خوزستان في إيران، وكان العتوب في حلف مع طائفة أخرى تدعى الخليفات تسكن نفس المنطقة، جاء في وثيقة لاهاي (دن هاغ) الهولندية، وهي عبارة عن تقرير كتبه البارون كنبيهاوزن الى رئيس شركة الهند الشرقية الهولندية ويتضمن وصفا جغرافيا لسواحل الخليج وسكانه، وهي المؤرخة عام 1756م ونص ما جاء في الوثيقة: >وينتهي جون جنابة (خليج كناوة) بحافة بنج الناتئة، والتي يقع خلفها بندر الديلم، وهو مستوطنة عربية لعشيرة تسمى الخليفة، التي لا تزال تدين بدينها وتحافظ على تقاليدها، وهم فقراء يعيشون من الملاحة والغوص على اللؤلؤ وصيد الأسماك....< (سلطنة هرمز:2/225)، وقد كتبت كلمة الخليفة في الوثيقة العثمانية التي سنوردها بعد قليل بالتاء الطويلة (الخليفات)، لذا يقدم سلوت في كتابه نشأت الكويت ص116 أن الكلمة مكتوبة بالصيغة التركية بتطويل التاء المدورة، أي أن الخليفات هم نفس آل خليفة، وذلك يعني أن العتوب والخليفات عشيرتان كانتا تسكنان الديلم وبينهما حلف موجه ضدتحالف الهولة، وهو حلف عشائري آخر مكون من سبع أو ثمان قبائل ويسكنون ميناء كنج القريب من مدخل الخليج. وكان النزاع محتدما بين هذه القبائل الثلاث على مغاصات اللؤلؤ القريبة من البحرين، فقد كان الهولة كغيرهم من سكان الخليج يرحلون إلى مغاصات اللؤلؤ القريبة من البحرين في فصل الصيف ويمكثون هناك لمدة أربعة أشهر بحثا عن اللؤلؤ الذي ينقل عن طريق كبار التجار (الطواويش) في الخليج إلى الهند حيث يباع هناك بأسعار مجزية، وفي المقابل يقوم التجار بشراء الأرز وباقي المواد الغذائية والأخشاب التي تستخدم في عملية بناء المساكن والسفن، وكان الهولة يسيطرون بشكل مباشر على الملاحة في الخليج، وفي صيف عام 1111هـ كان أسطول تحالف الهولة في رحلته السنوية للبحث عن اللؤلؤ في البحرين، وبينما هم يغوصون بحثا عن اللؤلؤ كانت بالقرب منهم مجموعة سفن تابعة للعتوب والخليفات، والذين يعتمدون على مهنة صيد اللؤلؤ كمصدر رئيسي لكسب المال، وعلى حين بغتة هاجم عدد من العتوب سفينة تابعة للهولة وقتلوا ثلاثة من البحارة وسلبوا بعض الأموال وهربوا.
وقام الهولة بهجوم على العتوب وقتلوا ما يقرب من أربعمائة رجل منهم. وبعد هذه الحادثة ثار العتوب والخليفات وتوجهوا إلى مغاصات اللؤلؤ وهاجموا سفن الهولة، ثم نزلوا سواحل جزيرة البحرين وأحرقوا المزارع والقرى وعادوا إلى بلدهم الديلم، وقد ذكر هذه الحادثة الشيخ يوسف البحراني صاحب كتاب الحدائق الناضرة في كتابه لؤلؤة البحرين ص442، وكذلك الدكتور محمد سلطان القاسمي في بيان الكويت ص13، قال: >وفي سنة 1112هـ صارت الواقعة بين الهولة والعتوب، حيث أن العتوب عاثوا في البحرين الفساد، ويد الحاكم قاصرة عنهم، فكاتب شيخ الإسلام الشيخ محمد بن عبد الله بن ماجد، الهولة ليأتوا على العتوب، وجاءت طائفة من الهولة ووقعت الحرب وانكسرت البلد إلى القلعة أكابر وأصاغر حتى كسر الله العتوب..... وفي أول سنة وردوا لأخذها، رجعوا بالخيبة ولم يتمكنوا منها؛ وذلك لشدة المقاومة الشعبية لمسلمي البحرين، وكذلك في المرة الثانية بعد سنة مع معاضدة جميع الأعراب والنصاب لهم، لم يفلحوا في احتلال البحرين.
وفي المرة الثالثة: حصروا البلد لتسلطهم على البحر، حيث أنها جزيرة، حتى ضعفوا أهلها وفتحوها قهراً، وكانت واقعة عظمى وداهية دهما، لما وقع من عظم القتل والسلب والنهب وسفك الدماء، فهربت الناس سيما أكابر البلاد منها إلى القطيف وإلى غيرها من الأقطار<
وبسبب هذه الفوضى الأمنية أمر الشاه حسين الصفوي بإرسال قوة برية من شيراز لمعاقبة العتوب في الديلم، ففر العتوب والخليفات من الديلم الى العراق. (تاريخ عرب الهولة والعتوب ص115) فدخلوا شط العرب، ونزلوا في منطقة تسمى المخراق تقع شمال الفاو بحوالي 15 كم . (دراسات في تاريخ الخليج:1/100).
وقد أكدت وثيقة عثمانية يعود تاريخها الى سنة 1701م نزول العتوب والخليفات في المخراق حيث أرسلوا وفدا الى والي البصرة العثماني يستأذنوه بالسماح لهم بسكنى المخراق. والوثيقة المذكورة عبارة عن رسالة بعث بها والي البصرة (1701_1705) علي باشا إلى السلطان العثماني، يخبر بها حكومته عن نزول العتوب في بلاده. وهي مؤرخة بتاريخ الثاني من رجب سنة 1113هـ/1701م، وقد وردت في أرشيف رئاسة الوزراء العثمانية في اسطنبول، في دفاتر المهمة، رقم الدفتر 111، رقم الصفحة 713، وهذه ترجمة الدكتور زكريا كورشون أستاذ التاريخ السياسي في جامعة مرمرة وجامعة تبة في أسطنبول للوثيقة باختصار:
>أحيطكم علما، يوجد على شواطئ العجم محل أسمه البحرين، وهناك أيضاً عشيرتان تتبعان لإدارة العجم وهما عشيرة العتوب وعشيرة الخليفات من أهل المذهب الشافعي والحنبلي ويسكنون في مكان قريب من بندر (ميناء) ديلم، ويوجد أيضا بندر اسمه كونك (كنج) فيه سبع أو ثماني عشائر يطلق عليهم أسم حوله (الهولة) كلهم عرب من أتباع المذهب الشافعي.
وقد وقعت فتنة في البحرين بين هذه العشائر الثلاث حصلت بسببها عداوة بينهم، ووقعت صدامات في عرض البحر، وقتل منهم ثلاث أشخاص غدرا، الأمر الذي جعل التجارة والمهاجرين يتخوفون من القدوم إلى البصرة.
أغلب السفن التي تتنقل بين هذه الموانئ في تلك المنطقة هي سفن هذه العشائر الثلاث. وبسبب العداوة يقومون بإطلاق النار على بعضهم البعض إذا تلاقوا في عرض البحر.
وفي أحد الأيام قامت عشيرة حوله بمهاجمة عشيرة العتوب التي هي حليفة عشيرة الخليفات في البحرين وعلى حين غرة قتلت 400 من رجالها واستولت على جميع أموالها. وهرب الناجون من العتوب إلى حلفائهم من الخليفات، ثم اتفقالاثنان العتوب والخليفات وقالا: لم يبق لنا أمان في البقاء في بلاد العجم، فلنذهب إلى مدينة البصرة التابعة للدولة العلية، وبالفعل جاؤوا ودخلوا أراضي البصرة وعددهم ما يقارب2000بيت، وهم الآن موجودون فيها. وقد جاء إلي أنا مأموركم في البصرة بعض وجهائهم والتمسوا لأنفسهم طلب البقاء قائلين: أننا من أهل السنة والجماعة تركنا بلاد الرافضيين، ولجأنا إلى سلطان المسلمين للعيش في أراضيه وأنتم أعلم بما يصلح حالنا.
لم يخصص بعد لهم مكان معين للاستيطان والأفضل أن يبقوا هكذا للنظر إن كانوا سيبقون في البصرة بشكل دائم عندها يخصص لهم مكان للإقامة. يملك هؤلاء ما يقارب 150 سفينة في كل سفينة اثنين أو ثلاثة مدافع وعلى متن كل سفينة بين الثلاثين إلى أربعين مسلح بالبنادق< (نشأت الكويت: سلوت ص121).
ويؤكد نزول العتوب والخليفات القادمين من الديلم المخراق الحكاية الشعبية التي يرددها كبار السن في الفاو أن تسمية المدينة جاءت بسبب سفينة لأهل الديلم غرقت قرب الفاو فسميت المنطقة باسمها، فالمراد بأهل الديلم هم العتوب والخليفات.
وكانت المخراق يومذاك أرضا جرداء لا زراعة فيها، فلم يتمكن العتوب من تأمين مصدر رزقهم إلا بممارسة القرصنة على السفن التجارية المتجهة والخارجة من البصرة، مما أثار قلق وانزعاج الحكومة العثمانية في البصرة، فشنت عليهم حملة عسكرية طردتهم منها في بداية القرن الثامن عشر، قال الرشيد: ((ويقال في سبب تحولهم عن المخراق أن الحكومة العثمانية طردتهم منه، لما كانوا يقومون به من السلب والنهب، وقطع الطريق في هاتيك الجهات)). (تاريخ الكويت: عبد العزيز الرشيد ص36)
وبعد هذه الحملة فرَّ آل خليفة ومن معهم الى ضفاف خور الصبية الواقع جنوب غرب أم قصر، لكن لم يطب لهم المقام لضيق المنطقة، وقيل: إن قبائل الظفير كانت تنوي مهاجمتهم، ففروا الى كوت بني خالد أو ما يسمى حصن ابن عريعر (الكويت حاليا). (تاريخ الكويت للرشيد:36، دراسات في الخليج:101، الإيجاز في تاريخ البصرة والإحساء ونجد والحجاز: عارف مرضي الفتح:1/ 574)
وكان نزولهم الكويت بحدود عام 1125هـ/ 1713م، واستقر بهم الحال بحماية بني خالد أمراء الأحساء أنذاك في زمن أميرهم سعدون بن محمد الخالدي _ابن عريعر_.... وتؤكد الكثير من المصادر أن أمراء بني خالد بقوا يشرفون على هذا الحصن (الكوت) بصورة غير مباشرة، ولم يتوانوا عن أي تقصير يصدر من العتوب قد يؤدي الى ضياع هذا الكوت)). (قبيلة بني خالد في الجزيرة العربية:164)
ثم تراخت قبضة بني خالد عن حكم الكويت بسبب الصراع الذي نشب على السلطة بين أفراد العائلة بعد وفاة سعدون سنة 1722، وقد تمخض عن استقلال القبائل الفرعية الأخرى من بني خالد في شؤونهم الداخلية. ولم تكن الخلافات على الحكم هي السبب الوحيد لضعف حكم بني خالد، بل وبسبب تصاعد قوة الوهابيين في أواسط الجزيرة وانعكاساتها على منطقة نفوذ بني خالد، فوجد العتوب الفرصة سانحة لبسط نفوذهم على الكويت والاستقلال بحكمها، ولم يتحقق لهم ذلك إلا في حدود عام1752م. (تاريخ شرقي الجزيرة: مصطفى أبو حاكمة ص77)
وبعد الاستقلال بحكم الكويت اقتسم العتوب الواردات المالية والشؤون الإدارية، فكان الحكم حصة آل الصباح، وتولى الجلاهمة شؤون البحر، فيما انخرط آل خليفة في التجارة.
ولكن لم يطب المقام لآل خليفة في الكويت بعد أن استحوذ بنو عمهم من آل الصباح على الحكم، وحرمهم الجلاهمة من الوصول الى البحر، فهاجروا من الكويت سنة 1766م، وعيونهم ترنوا الى مصادر اللؤلؤ وتجارته الرابحة في البحرين. (جزيرة العرب: حافظ وهبة:99)
ويشير باحثون الى وجود خلاف نشب بين الأسرتين _آل الصباح وآل خليفة_، فقد قام فيصل أحد أجداد آل خليفة بتزويج ابنته لجابر ابن صباح عقب اختياره كأول حاكم للعتوب في الكويت على أمل أن يصبح الحاكم الذي سيخلفه من أسرته، فلما اختير عبد الله أصغر أبناء صباح للحكم، رحل آل خليفة مع جماعتهم من الكويت، متجهين جنوبا الى البحرين. (دراسات في تاريخ الخليج:107)
وتعزو رواية آل الصباح سبب هجرة آل خليفة من الكويت الى خوفهم من عشيرة النصار الكعبية، قال ديكسون: ((واستطرد سموه _الشيخ عبد الله السالم الصباح_ إن آل نصار وهم العشيرة الحاكمة في بني كعب....، شنوا حربا على عبد الله ابن الصباح، وأن الخوف من تكرار الغزوات حمل آل خليفة على الفرار جنوبا الى الزبارة في قطر)). (الكويت وجاراتها:9)
وعندما غادر آل خليفة الكويت عام 1766م _كما مرَّ_ عن طريق البحر، قصدوا البحرين لاحتلالها! ولم يقصدوا الزبارة في قطر رأسا، لكن أهالي البحرين والأسرة الحاكمة فيها يومذاك (آل مذكور)، تصدوا لهم ومنعوهم من دخول البلاد، فاتجهوا الى شبه جزيرة قطر، وأقاموا في الزبارة على مقربة من جزر البحرين حيث أخذوا يتطلعون الى تلك الجزر لبسط نفوذهم عليها. (دراسات في تاريخ الخليج:1/107، تاريخ البحرين السياسي:43، تاريخ شرقي الجزيرة:95، القبيلة والدولة في البحرين:41)
أما غزو البحرين واحتلالها من قبل آل خليفة والعشائر المتحالفة معهم فقد جرى سنة 1197هـ/1783م، وقد اجتمعت في هذه المحاولة كل الدوافع السياسية والطائفية والاقتصادية حيث بدأ آل خليفة يشعرون بالتوسع السعودي الوهابي، فأصبح الانتقال الى مكان آمن أمرا ضروريا بالنسبة لهم، خصوصا وأن السعوديين لا يملكون أسطولا بحريا فمن الممكن أن تقي الحواجز المائية آل خليفة من شرور الوهابية.
كما وظف آل خليفة في هذه الغزوة العنصر المذهبي لحشد القبائل السنية للهجوم معهم على البحرين لأن أهل البحرين كلهم شيعة، فبدأت تحرشات آل خليفة بالبحرين وأهلها، حينما شعروا بنوع من القوة بعد مقتل كريم خان الزند حاكم إيران وضعف عشيرة آل مذكور شيوخ بوشهر والبحرين. فقد ذكر لاتوش المندوب المقيم لشركة الهند الشرقية في البصرة في رسالة الى إدارة الشركة في لندن في 4 نوفمبر 1782: >قام أهل الزبارة والقرين في المدة الأخيرة بالاستيلاء على البحرين ونهبها، كما اغتصبوا عند مدخل النهر _شط العرب_ عددا من المراكب التابعة لأبو شهر وبندر ريق (ريك)< (تاريخ شرقي الجزيرة:236)
أما أبو القاسم عباس بن المونشي الوكيل الوطني البريطاني في البحرين، فقد ذكر في رسالة الى القنصل البريطاني في الخليج عام 1783م أن سبب قيام حاكم البحرين بمحاربة أهل الزبارة _آل خليفة وحلفائهم_ هو أنهم قتلوا واحدا من غواويص البحرين. (تاريخ البحرين السياسي: فائق طهبوب:49)
ويقول جلال الأنصاري شارحا الأسباب الحقيقة لغزو آل خليفة للبحرين: >أدى مقتل كريم خان زند وما تبع ذلك من أحداث الصراع في شيراز بين زكي خان _ابن عم كريم خان_ وصادق خان والتي انتهت باغتيال زكي خان واستيلاء صادق خان زند على إيران، كل هذه الأحداث جعلت العتوب يتحسسون ضعف الشيخ ناصر بن مذكور المذكور وخصوصا عندما بلغهم خبر احتلال شيخ تنكستان، (وهي مقاطعة تقع جنوب بوشهر ويتكلم أهلها بلهجة فارسية خاصة تسمى التنكسيرية) لبندر بوشهر مقر الشيخ ناصر. ونتيجة لذلك هاجمت مجموعة من عرب العتوب (آل خليفة) جزيرة البحرين عام 1196هـ/1782م واستولوا على عدة سفن تابعة لبندر بوشهر وبندر ريك، كما وأجبروا رجال الشيخ ناصر المذكور على الانسحاب إلى القلعة فنهبوا المدينة (البحرين) وخربوها، ثم عادوا إلى الزبارة آخذين معهم جالبوتا (نوع من السفن الكبيرة) من جلابيت بوشهر كان قد أرسل إلى البحرين لتسلم الضريبة السنوية.
أغضبت تلك التعديات الشيخ ناصر المذكور، فأرسل إلى آل خليفة يطالبهم باسترداد الأسلاب فرفض آل خليفة وحلفاؤهم ذلك، مما أثار هذا الرد السلبي غضب الشيخ ناصر المذكور وعزم على تأديب آل خليفة.
فأعدَّ حملة على الزبارة التي يسكنها العتوب _آل خليفة وحلفاؤهم_ بقيادة محمد بن سعدون آل مذكور ابن أخ الشيخ ناصر، وضمت الحملة رجالا من قبيلة كعب، وبندر ريك، وشيخ هرمز، والقواسم وأبحر الأسطول من بوشهر إلى الزبارة، وتمكن من محاصرة العتوب سعيا لإجبارهم على الصلح< (تاريخ عرب الهولة والعتوب ص149)
لم يكن يريد الشيخ ناصر المواجهة مع العتوب والدخول في حرب عربية عربية، فقد كان على ظهر أسطوله ألفي رجل من العرب، وكان بإمكانه مهاجمة الزبارة فورا بهذه القوة الكبيرة، لكنه عرض على آل خليفة إعادة المنهوبات، فلما رفض العتوب الطلب، قام بمحاصرة الزبارة في محاولة لفرض السلام والصلح >لكن العملية فشلت في إجبار العتوب إلى الجنوح إلى الصلح، مما دفع بالقوات المحاصرة للزبارة بالنزول إلى البر للاستيلاء على القلعة، وعندما نزل رجال الشيخ مذكور إلى البر هاجمهم العتوب بقوات كبيرة من العتوب وعرب الظفير وقبيلة آل محمد البلوش الذين أرسلوا من البصرة بأمر من الوالي العثماني... فكان هذا العدد أكبر بكثير مما يتوقع آل مذكور، فقتل قائد الحملة محمد بن سعدون آل مذكور، وقتل الشيخ راشد القاسمي، وتعرضت البحرين إلى غزو من البحر من عتوب الشمال آل الصباح، فاضطر المقاتلون إلى الانسحاب< (تاريخ عرب الهولة والعتوب ص150)
ويعكس النبهاني سبب الحرب والغزو الخليفي للبحرين فيقول: >إن آل خليفة أرسلوا عبيدا لهم الى البحرين لشراء جذوع النخل، فوقع شجار بين أهل البحرين وعبيد آل خليفة أسفر عن مقتل أحد العبيد، فاستثمر الخليفيون هذا الحادث ووظفوه طائفيا، فألبوا القبائل القطرية وغيرها من قبائل نجد التي كانت قد تجمعت في قطر فرارا من الزحف السعودي االوهابي، وأرسل آل خليفة في بادئ الأمر زمرة مسلحة دخلوا البحرين على حين غرة من أهلها فقتلوا ستة من أهل البحرين ولاذوا بالفرار<. (التحفة النبهانية ص58)
ولم يقف البحارنة وحكامهم آل مذكور مكتوفي الأيدي إزاء هذا الاعتداء السافر، فاشتعلت نيران الفتنة بين الطرفين يأججها آل خليفة لمآربهم الخاصة، وقد استمرت الحروب بين الطرفين سجالا من سنة 1777 حتى سنة 1782م، حيث تحالفت مجموعة كبيرة من القبائل العربية مع أهل البحرين لردع المعتدين من آل خليفة وأتباعهم، فاجتمع آل مذكور شيوخ البحرين وبوشهر، وبنو كعب، وقبائل الهولة العربية، والقواسم شيوخ رأس الخيمة والشارقة وهاجموا الزبارة لكسر شوكة آل خليفة وحلفائهم. إلا أن آل خليفة كانوا قد طلبوا النصرة من عتوب الشمال _آل الصباح في الكويت_ فتوجهت ست سفن كبيرة من الكويت الى البحرين تحمل من المتطمعين (المرتزقة) ناسا كثيرا، إضافة إلى مساهمة والي البصرة العثماني، بإرسال قبيلة آل محمد وهم فرع من البلوش للقتال إلى جانب آل خليفة وحلفائهم. (مجموع الفضائل: راشد البنعلي ص59)
في وقت كان أهالي البحرين وحلفائهم يقاتلون في الزبارة، جاء الأسطول الكويتي وقصف المنامة بالمدافع وهدم القلاع وأشعلوا النيران في المدينة، وعاد المقاتلون البحارنة وحلفاؤهم على عجل الى البلاد لوقف العدوان الكويتي، لكن آل خليفة بذلوا كل جهد لجمع المرتزقة واستغلال هذه الفرصة، فهاجموا البحرين من جهة قطر وأخضعوها لنفوذهم.(دراسات في تاريخ الخليج:111)
وبالرغم من فشل حكام البحرين _آل مذكور_ في الدفاع عن البلاد، إلا أن الشعب البحريني لم يستسلم للقوة الغاشمة، فأبدى مقاومة عنيفة في صدِّ الهجوم الخليفي. وتشير الروايات الشعبية المتوارثة التي تؤكد أن سواحل البحرين امتلأت بجثث القتلى من أبناء الشعب، وبدمائهم، دليلا على أن أهل البلاد أبدوا مقاومة باسلة لآل خليفة.
ويبدو أن البحرين لم تسقط سريعا بيد آل خليفة، إذ استمر أهل البلاد بالمقاومة، ولم يتمكن الغزاة من سيطرة عليها سيطرة كاملة إلا بعد مضي شهر أو أكثر من المقاومة الشعبية، وهذا الأمر إن دل على شيء فإنما يدل على وجود المقاومة الشعبية بالفعل، وحالة الرفض والاستنكار التي أبداها الشعب في مقابل الاحتلال الخليفي للبحرين.
وفي ضوء هذه الحقائق التاريخية السالفة لا يختلف احتلال البحرين بشيء عن احتلال الكيان الصهيوني لفلسطين، ولعل في أوجه التشابه في سياسات الدولتين العبرية ودولة آل خليفة تجاه الشعب البحراني والشعب الفلسطيني خير دليل على أن كلا الكيانين غاصبان محتلان.
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
اخبار العراق اليوم تصلكم بكل وضوح بواسطة العراق تايمز