كان العراق قبل حوالي خمسمائة عام أكبر من هذا العراق مرتين تقريباً. يعيش فيه قوم بلغ تعدادهم سبعة عشر مليوناً. أي ما يساوي ثلاثة أضعاف عدد سكاننا الحاليين.
لم يعرف أهله الديمقراطية وكان أمرهم عجيباً. تحدثوا بالأيدي والسلاح. أهملوا وظيفة العقل. كان أمرهم غريباً. لسانهم غير اللسان ومنطقهم غير المنطق. لم يعرفوا الوفاء. تحدثوا كثيراً باتجاه بعضهم قدحاً مما سبب ذلك لأنفسهم إشكالا في الحياة. دمروا بلدهم بأيديهم. رفعوا شعاراً اسمه الاشتراكية بألوان مختلفة وبطشوا بالناس تحت شعار معاداة الاشتراكية. رفعوا شعار القومية وبطشوا بالناس تحت شعار معاداة العروبة. رفعوا شعار الدين وبطشوا بالناس تحت شعار معاداة الإسلام. كان العراقيون في ذلك الزمان يفترقون كلما كان الحال يدعوهم لوحدة الصف. شربوا من الخمر أكثر مما شربوا من الماء. سكبوا حصتهم وحصتنا من النفط في بحر الخليج فاشتروا بثمنه سلاحاً ثم عملوا على توقيع اتفاقية تخول أبناء الغرب تدميره.
جلس على كرسي الحكم في زمانهم شخص مريض لم يعرفوا كيف يتخلصون منه حتى أصابت عدواه الكثير من المحيطين به. انتشر في زمانه وباء "الطاغوت" فكادت الحياة أن تموت تماماً. عندما كانت تصيبهم مصيبة، فبدلاً من أن يتنادوا لوحدة الصف، كانوا يتفرقون شيعاً وأحزاباً ويقومون بتعذيب أنفسهم تعبيراً عن الندم. إن ردة الفعل عند أولئك الناس كانت تعود على الذات بدلاً من أن تتحول إلى فعل إيجابي للحياة وقوة دافعة للتغيير.
لا منطق فرقتهم منطق ولا أسباب خلافاتهم أسباب. عثرنا على أكثر من وثيقة منشورة في صحفهم تؤكد أنهم اختلفوا على اختيار مكان وزمان لاجتماعاتهم. وهو أمر يدعو إلى الضحك حقا حتى أن الإنسان ينقلب على قفاه من شدة الضحك.
يكابرون بدون سبب للمكابرة. مغرورون بدون فعل يبرر ذلك الغرور. ينامون عندما يذهب الناس إلى العمل، ويسهرون الليل حول موائد تفجر في مخيلتهم أحلاماً تجعلهم يطيرون في الفضاء. حتى إذا حل الصباح وجدتهم نياماً يشخرون العافية. يسبتون سنوات طويلة وعندما يفيقون بعد السبات تكون عجلة الزمن قد سبقتهم سنوات ضوئية طويلة!
يتوسدون التراث ويلتحفون التاريخ فضاعت منهم الجغرافيا.
لا ليلهم ليل ولا نهارهم نهار. أنجبوا أولادهم في المنافي فنشأ منهم جيل "يرطن" بلسان الفرنجة.
كلامهم كثير وفعلهم قليل، ويبالغون في تصوير الأشياء مثل أجدادهم.
إذا بلغ الفطام لنا رضيع.. تخر له الجبابر ساجدينا.
قبل أن أنتهى عام " … " لا أحد يعرف كيف ومن قتل الحاكم القابع على كرسي الرئاسة في بغداد. فشغلوا الدنيا بهتافاتهم، وبعد أيام جلسوا لا يعرفون ماذا يفعلون، لأنهم لم يتفاهموا مسبقاً ولم يتفقوا على برنامج عمل ولم يكتبوا دستورهم ولم يرسموا حتى شكل العلم لكي يخفق في سماء بلادهم رمزاً لعراقيتهم وحضارتهم. ولهذه الأسباب جفت مياه دجلة والفرات ومات الزرع وعم القحط البلاد وانشغلوا في خلافاتهم من جديد دون أن يدركوا جسامة المسؤولية. أصبحت أرضهم عرضة للنهب والسلب فتقلصت مساحة العراق وقل عدد السكان .
سامحهم الله!
مقالات اخرى للكاتب