ونحن في مركز تقديم الخدمات والمساعدات للنازحين القادمين من سهل نينوى، تقدم مني احد النازلين في هذا المركز وقال لي بان صديقك قدم استقالته من عمله بسبب هذه الاحداث، قلت له من ؟ .. قال وزير النقل والاتصالات في حكومة أقليم كوردستان العراق جونسون سياويش .. على الفور اتصلت به لمعرفة حقيقة الخبر رغم ان الوقت كان متأخراً، بعد التحية، قلت له بأني الان سمعت هذا الخبر، فهل من الممكن ان اعرف الاسباب؟ .. فقال .. نعم قدمت الاستقالة بسبب الاوضاع المزرية التي يمر بها ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري الذين تم تهجيره من سهل نينوى الى مدن
اقليم كوردستان بعد انسحاب قوات البيشمركة المفاجئ من هذه المناطق .. ولم المس اي إجراءات عملية او حلول فعلية لمساعدتهم وانقاذهم، كما اعلن تضامني الكامل معهم انهم شعبنا المظلوم، وقال اني اتألم جدا وانا ارى ابناء شعبنا ينامون في الشوارع والطرقات والحدائق العامة والمدارس والمباني الفارغة، وانا جالس في الوزارة.
كان جوابي له بعد الاستماع اليه .. بان موقفك سيذكره التاريخ في العراق، وانها شجاعة وموقف انساني منقطع النظير، وانها حالة فريدة، نتمنى من باقي البرلمانيين او الوزراء ان كانوا في المركز او الاقليم ان تكون لهم مثل هذه المواقف وان لا يبقوا يهتمون بمصالحهم الشخصية فقط، ويجب ان لا يكونوا بعيدين عن معاناة شعبنا المظلوم.
والوزير سياويش موقفه رائع وهو كأول مسيحي يقدم استقالته من حكومة أقليم كوردستان العراق، وهذه المبادرة سوف تحسب له ولتاريخه الشخصي، ليعطي مثلا ً نبيلا ً سوف تتحدث به الاجيال القادمة، وحسنا ً فعل عندما ترك وزارته واصطف مع الشعب، ليفضح من يدعون من انهم حامي حمى المسيحيين في العراق، سياويش صفّر ارصدتهم وعرّاهم امام الامة والتاريخ، ولا يمكن ان يكون لهم أي حجة من بعد اليوم بأن يتحدثوا باسم هؤلاء الصابرين، ومن يدعي بأنه سياسي او برلماني او ذي منصب حكومي، هو فيه ليس لآنه الاجدار والافهم، بل وجوده بسبب النهج الطائفي للدولة
العراقية،
لذلك عليه ان يعدل مسار عمله ليحترمه الناس، من الضروري النزول الى مراكز النزوح المنتشرة في محافظات اربيل والسليمانية ودهوك ومدنها الامنة، ليشاهد دموع المساكين وحسرتهم، وكيف اصبحوا مجهولي المصير والمستقبل .. وعلى كل مثقفي شعبنا الاحرار التصدي لهؤلاء الذين يتاجرون بمأساة ضحايا الارهاب من الكلدان السريان الاشوريين في العراق.
بهذه المناسبة احيي النائبة الايزيدية فيان الدخيل التي نجحت بدموعها الساخنة والصادقة، وشجاعتها الفائقة من إيصال قضية شعبها الى الرأي العام العالمي والعراقي بشكل خاص.
وإنني اناشد كافة منظماتنا العراقية في المهجر الى تحمل المسؤولية لتقديم كافة اشكال الدعم للنازحين الذين يمرون بظروف قاهرة حيث تركوا كل شيء ولم يبق لهم شيء .. عصابات داعش الارهابية يسلبون كل يوم بيوت اهلنا في مدن قره قوش وبرطلة وكرمليس واحدا ً تلو الاخرى .. شعبنا بحاجة الى وقفة صادقة من كل الاطراف الداخلية والخارجية لمساعدتهم على العودة الى ديارهم وانهاء كافة اشكال الخوف والرعب والتهميش، وتعويضهم، والعمل على تأهيل مناطقهم، واعطاءهم الامل والامان والا سيكون اكثر من 60 % من النازحين في عداد المغادرين .. أي وطن هذا الذي يفقد ابناءه
الاصليين البسطاء بهذه السرعة وسياسييه مهتمون بمصالحهم ويتاجرون بمعاناتهم .. لك الرب ايها الشعب الحزين.
على العالم ان يعرف بأن ما جرى على ابناء شعبنا كانت من الجرائم الكبرى التي نفذت ضد الانسانية، ورغم الظلم الذي اصابهم، والضيق، والالم الشديد، والحصرة، والتنكيل الا انهم متمسكين بإيمانهم وعقيدتهم وبلدهم.
تحية للنازحين الطيبين الصابرين .. ولكل من يساهم في مساعدتهم في مناطق تواجدهم .. وكل التقدير لأهالي اربيل ودهوك والسليمانية الذين استقبلوا الآلاف من العراقيين الهاربين من العمليات الارهابية ومن مختلف المحافظات .. وتحية لرجالات الكنيسة والمنظمات المدنية والمتطوعين الذين يعملون على مدار اربع وعشرين ساعة لمساعدتهم وتلبية احتياجاتهم.
مقالات اخرى للكاتب