نحن وكل المهتمين بالشأن العراقي وضحنا عندما تم احتلال مدينة الموصل من قبل ما تسمى بدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) في التاسع من شهر حزيران الماضي من ان تصرفات هؤلاء الاوغاد سوف تكون خطيرة ضد المواطنين في المستقبل لا سيما على ابناء المكونات الاصيلة المتواجدة عبر التاريخ في مدينة الموصل.
وبعد تثبيت وضعها واعلان الخلافة المزعومة ليكون هذا الحدث اول منعطف في تاريخ العراق الحديث، حيث قامت داعش باتخاذ الخطوات الغادرة، من خلال استهداف عوائل الشعب المسيحي والشبكي والتركماني والايزيدي في هذه المدينة الغاية منها القضاء عليهم، وقامت بقتل الاف العراقيين من الذين يختلفون معها في الدين او المذهب، واجبارهم على النزوح، مقابل عجز تام من قبل الحكومة في التصدي لهم واخراجهم من تراب العراق.
ان استهداف المكونات الأصلية في العراق وبهذه الطريقة المتخلفة والحاقدة دليل على جهل هذه المجاميع بالقيم الشرعية والقانون الإنساني الدولي، حيث طالبوا قبل يومين وبمكبرات الصوت من الشعب المسيحي ان يختار واحد من ثلاثة خيارات: 1- إما اعتناق الإسلام 2- أو دفع الجزية وفق احكام الشريعة ، والتي تم تحديد المبلغ (550) الف دينار عراقي 3- او المغادرة وكان آخر موعد هو يوم السبت .. الساعة (12) ظهرا ً المصادف 19/تموز/2014 .. والا سيكون السيف بينهم .. وقبل انتهاء المدة بدأ الناس بالمغادرة، ليفاجأهم اعداء الوطن والعصر بوضع السيطرات المستهترة لتسليب المواطنين من كافة مقتنياتهم بما فيها (السيارة - الذهب -النقود – الهواتف النقالة - المستمسكات مثل الجوازات والوثائق الاخرى المهمة) فقط سمحوا لهم بما يلبسونه وامروهم بالسير على الاقدام .. يقولون لهم ان ممتلكاتكم غنائم لنا !! في القرن الواحد والعشرين والجماعة يبحثون عن الغنائم !! .. غادروا وسط حزن والم وخوف وحسرة على ما فقدوه من ممتلكات في ارض اجدادهم، حيث اعتبرت ممتلكاتهم ملك للدولة الحرامية، وفرقها الاجرامية المتعطشة للتخلف والسرقة وهدر دماء الابرياء، ان ما قام به هؤلاء الاوباش هي وصمة عار في مسيرة هذا (المذهب) الحاقد على البشرية والطبيعة والاعراف والتراث، وتاريخ الشعوب وانتماءهم الوطني.
أن اوضاع النازحين اليوم تزداد تدهورا بعدما تركوا كل شيء حيث كانت خسائرهم كبيرة وعلى مستويات مختلفة حيث خسروا الالاف من البيوت والاراضي والمحلات والممتلكات الشخصية الثمينة، والمبالغ المالية، فضلا ً عن خسارتهم لوظائفهم، ومصالهم، واليوم يعيشون في تجمعات متفرقة، ينتظرون المساعدات من هنا وهناك، وبدون أي امل في المستقبل.
بعد هذه الحادثة المروعة الم يحن الوقت لكي تتوحد الجهود بين الكنائس والاحزاب والمؤسسات المدنية والكتاب والمثقفين من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري للعمل الحقيقي لإنقاذ ما يمكن انقاثه، الا يكفي الانقسام، والتسقيط، والخصومة وحب الذات، وتفضيل القضايا الشخصية على قضية شعبنا المصيرية ووجوده في بلدنا العراق، يجب ان تكون هناك لجنة او أي اسم يتم الاتفاق عليه، يتألف من ممثلين من الجهات المذكورة لتمثل هذا الشعب في المحافل المحلية والدولية، وتكون لديها طلبات او اهداف تخص هذا الشعب المظلوم، بدون أي مزايدة من قبل هذا الطرف، وان تسخر كل الطاقات الاعلامية والثقافية والاجتماعية لتحقيق هذه الطلبات.
المحزن في هذه الايام سكوت كل الاصوات المعتدلة في المجتمع العراقي وقواه الوطنية والثقافية والدينية على ما يجري لهذا الشعب من ابادة وزوال من تاريخ هذا البلد، كنا مخلصين، وهادئين، وحريصين على الحياد في أية مشكلة، كنا نحزن على أي انسان اذا تعرض للظلم، ورفضنا المساومة على حب العراق، لا نعرف اين ذهبت المشتركات التي كانت تجمعنا مع احبتنا واخواننا من الجيران والمحلة واصدقاء العمل، لا نعرف هل نسي الاحرار في بلادي مناضلي شعبنا ودمائهم الطاهرة التي سالت من أجل الحرية في تربة العراق الطاهرة، هل وصلنا الى يوم الذي نقول فيه لاهلنا في بلد الحضارات بلد من سن اول قانون للبشرية .. إننا بحاجة الى ناصر .. هل من ينصرنا ؟ .. ان نكبة المسيحين في مدينة الموصل هي وصمة عار في تاريخ احفاد الضلالة الذين يحاولون وبكل الطرق تمزيق النسيج العراقي الذي تمتد حضارته الى الاف السنين.
وفي ظل هذه الظروف المعقدة من واجب الدولة القيام بمعالجات فورية لحل المشاكل التي يعاني منها البلد، في مقدمتها اختيار رئيس الجمهورية، ومن ثم تشكيل الحكومة، وان تكون اول مهامها اعادة هيكلية الجيش العراقي وتحرير اراضيه من المرتزقة والمجرمين، وتعويض الشعب عما فقده من ممتلكات التي استباحتها عصابات داعش، وللحق اثبتوا انهم حرامية العصر الجديد.
على الحكومة الحالية الاسراع في إصدار قرارا ً نافذا ً تتوقف فيها كافة الدوائر عن أي إجراء جرى بعد احتلال مدينة الموصل او المناطق المحتلة الاخرى لا سيما في موضوع بيع وشراء الدور والعقارات والممتلكات العائدة للمواطنين الذين اجبروا على مغادرة مناطقهم الاصلية، وعلى كل الاحرار في العراق والعالم تجريم سلوكيات هذه الشرذمة والمتحالفين معها، وإدانة اعمالهم الاجرامية بحق المسيحين وهي سابقة الاولى من نوعها في تاريخ مدينة الموصل العريقة يتم افراغها من المسيحين المحبين للسلام والحرية، انها كارثة انسانية يجب على الجميع المشاركة في حلها من خلال التصدي لداعش ومن يقف وراءها.
مقالات اخرى للكاتب