عندما كنت صبيا قيل لي أن أي شخص يمكن أن يصبح الرئيس، أنا بدأت أعتقد ذلك. ~ كلارسن دارو........
البلدان الغير الديمقراطية التي تعيش مرحلة ما بعد ازاحة حكامها من الطبيعي ان نجدها وهي مضطربة تسودها التوتر والترقب ، وسكانها تفضل البقاء في بيوتها لأيام عدة خوفا من حماقة الحاكم التي ربما تدفع بأنصاره وقواته الموالية له ان يفتحوا (ابواب حهنم) على شعبه في اية لحظة لانهم أي (الحكام ) يفسرون الرفض الشعبي لأسلوب اداءهم للحكم اهانة شخصية وطعن بالمبادئ التي جاءوا بها ، ولهذا نجد مؤيديه الصبية ومراهقوه يهرولون كالمجانين في الشوارع ، ويرددون الشعارات المنافية للأخلاق والقيم النبيلة ، بل ويتعمدون ان يخلقوا من الفوضى والبلبلة بهدف الايحاء لسيدهم بانهم (على دربه سائرون) ..!! ولنا في ذلك اكثر من نموذج لحكام سياسين فاشلين تدحرجوا الى الهاوية ، وكان مشهد خاتمتهم قاسية جدا الى حد لا يطاق من الناحية الانسانية ، مما دفعت نهاية مسرحياتهم بأنصارهم ان يعودوا بخفي حنين الى بيوتهم ، وحينها أدركوا غباوتهم وجهلهم لطبيعة الحكام الذين دخلوا السياسة ليس لخدمة الشعب ، بل دخلوها ليجعلوا منها غطاءً لذواتهم الدنيئة والقبيحة وارغام الشعب بأساليب شتى لخدمتهم وخدمة المنافقين من حولهم تحت مسميات والقاب مختلفة .....
بمعنى ان المسرحية الهزيلة التي ختمت بها نوري المالكي حقبته السياسية الفاشلة في العراق لا تخرج من نفس الاطار، وكانت رسالة واضحة لأنصاره (الكومبارس) الذين تجمعوا في ساحة الفردوس ، واغلقوا منافذ منطقة الخضراء أن يدركوا ان سيدهم نوري المالكي قد استسلم متأخرا لمنطق العقل ليخرج بجلده سالما قبل ان يتحول الى العوبة وأضحوكة للناس ....
اذن .. ومن هنا نعتقد ان ما اشرنا اليه في عدد من مقالاتنا المنشورة بضرورة تنحي الحاكم نوري المالكي عن منصبه كانت اشعارا مسبقا له ، ليتعظ للدروس من الذين سبقوه نحو الهاوية ، لكي يتحول في نظر حاشيته المملوكة لرغبات الفساد الى نموذج وطني ، ليتجنب (شماتة) أعدائه السياسيين وحلفائه بل وحتى أصدقاء سفره السياسي في حزب الدعوة الذين تخلوا عنه وتركوه وحيداً يندب حظه العاثر في زاوية ضيقة لا يجد من حوله احدا من يواسيه في محنته العصيبة .....
ولهذا أعتقد جازما ان البيت الشيعي حين اختار حيدر العبادي كبديل لنوري المالكي في هذا الظرف الحرج الذي يمر به الشيعة ، قد ازاح عن طريق وحدته المذهبية حجرا ثقيلا ، وخطرا طائفيا ذو نزعة دكتاتورية ، ربما كان يتحول بمرور الوقت الى عامل من اهم عوامل الخسارة لمكتسباته المنتزعة التي تهيأت للشيعة عموما بعد ازاحة نظام صدام حسين في نيسان من عام 2003، بمعنى ان الاطراف الشيعية قد وقفت على حجم الثغرة الشيعية الكوردية , والشيعية السنية التي فرضت نفسها على واقع العلاقات المتأزمة بين الشيعة وأطراف الكتل السياسية المشاركة الأخرى بسبب الاخطاء القاتلة التي ارتكبها نوري المالكي خلال فترة حكمه للبلاد ، والتي انعكست سلبا على المواقف الوطنية للشيعة عموما ، والذي تعمد ان يظهر نفسه على صورة السياسي القوي الذي لا يخضع الا لأرادته الشخصية المستبدة الدائرة في فلك الحاكم المطلق ....!! فضلا من كل ذلك فان اختيار حيدر العبادي كان من اقسى الضربات التي تلقاه المالكي في حياته السياسية لكون البديل له من من نفس الحزب الذي يتراسه ، وكان ذلك مؤشرا واضحا بان حزب الدعوة بسببه يعاني تمزقا وتفككا سياسياً خطيرا ربما سيؤدي به الى انتحار سياسي مفاجئ اذا لم يعيد الحزب بناء هيكلية جديدة تتناسب مع حجم التحديات التي تواجهها الشيعة عموما ، واهمية التكيف السياسي مع طبيعة ما بعد مرحلة نوري المالكي ، ويرسم طريقه السياسي القادم لضمان ديمومته في الساحة السياسية لتفادي الانتقادات الموجهة للحزب من جميع الاطراف السياسية التي سببتها اجتهادات المالكي كرئيس للحزب ...
وهذا يعني ان بديله الدكتور حيدر العبادي يواجه دون شك صعوبات كبيرة في معالجة المعضلات السياسية والتحديات التي تركها المالكي من بعده ، واهمها المادة (140) الذي تعمد في تأخير تنفيذها عن قصد ، ومن ثم عقدته السياسية مع حكومة اقليم كوردستان حين تعمد ايضاً بقطع مستحقات الاقليم من الموازنة المالية الممنوحة لها ، والذي اثر سلبا على الحياة المعيشية في كوردستان بسبب تاخير رواتب الموظفين والعاملين في مؤسسات الاقليم ودوائرها ، ناهيك عن التوقف في تنفيذ المشاريع الخدمية والاقتصادية مما ولدت القناعات لدى عموم ابناء كوردستان بان الانفصال عن هكذا حكومات فاشلة سياسيا هو خير وسيلة للابتعاد عن شرورها ، بمعنى ان الحكومة المرتقبة التي سوف يتراسها حيدر العبادي امام خيار واحد بخصوص العلاقة مع حكومة اقليم كوردستان وهو حل ومعالجة المعضلات السياسية التي تركها المالكي والاسراع في بناء ارضية سياسية خصبة التي تعيد ثقة المواطن الكوردي بها بهدف تعميق الروابط المشتركة ، والعودة بمبادئ العمل الوطني المشترك الى مسارها الصحيح في ظل هذه الظروف الحرجة التي يمر بها العراق ، والتي لا يمكن لأي طرف منهما ان يخوض معركته مع تنظيم داعش الارهابي بمعزل عن الاخر .، وهي معركة وسع بها نوري المالكي ابواب التحديات امام العراقيين بسبب جهله وافتقاره لأبسط مقومات ومواصفات القائد العام للقوات المسلحة ....
وعلى هذا الاساس فان المهمة الوطنية التي تنتظر السيد حيدر العبادي منذ اول يوم تكليفه بتسنم هذا المنصب سيكون بلا شك من المهمات الصعبة التي تأخذ منه الكثير من الجهد والعمل المتواصل بالاستناد الى حجم التحديات الكبيرة واهدافها المعلنة والخفية التي تدور في اطار التخلف والجهالة الفكرية لضرب التجانس والتناغم الاجتماعي والثقافي بين مكونات العراق عموما ، والتي بحاجة ماسة الى دراسة مستفيضة ومراجعة شاملة لطبيعة الاخطاء السياسية التي وقعت فيها الحكومة السابقة وقطع سبل تكرارها مجدداً و ابعاد كل الطبقات النفعية التي سارت على خطى المالكي وعبدت له طريق الدكتاتورية ، وتطهير المؤسسات العسكرية والاجهزة الامنية من الاطراف الدخيلة التي جاء بهم المالكي ، والتي لا يتصف اداءها بالمهنية المطلقة ، بل وكانوا طرفا مباشرا في خلقهم للازمات وتفكيك الوحدة الوطنية ، بمعنى ان عماية اعادة بناء جيش وطني ومهني قادر على حماية البلاد على اسس وطنية مجردة من المسميات الدينية والمذهبية والطائفية ، هي من المهام الكبيرة التي ينبغي على حيدر العبادي ادراكها خدمة للمصلحة الوطنية العليا ، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة حصر دور الجيش في بوتقة الوحدة الوطنية التي لا تؤدي دورها الا في على اساس انتماءها الوطني .......
هكذا أذن عالم السياسة مَن يتخطى حدودها سيكون ثمن خاتمته موجعة ، ولا يجد من حوله الا (الشامتين )
مقالات اخرى للكاتب