رغم الشكوك التي حامتْ ، حول قيام الحزب الديمقراطي الكردستاني ، بالعديد من التجاوزات ، في إنتخابات 21/9 .. فأنه يبقى الحزب الفائز بأكبر عددٍ من المقاعد ، حتى لو إفترضنا صِحة الشكاوى الحمراء المُقّدَمة ضد الديمقراطي ، من قِبَل الأحزاب الأخرى .. وشطبنا ستة مقاعد ، أي ما يُقابل حوالي 115 ألف صوت .. فأن المُتبقي ، هو "32" مقعداً .. وحتى لو وزعنا هذه المقاعد الستة ، على حركة كوران والإتحاد الوطني والإتحاد الإسلامي .. فسيبقى الحزب الديمقراطي ، هو صاحب الكُتلة الأكبر في البرلمان الكردستاني .
- بعض التوقعات غير المنطقية ، كانتْ تقول قبل الإنتخابات ، بأنه هنالك إحتمال ، أن تحصل حركة التغيير ، على أكثر من "35"مقعداَ ، والحزبَين الإسلاميَين على حوالي "22"مقعداً .. وبهذا ، يستطيعون معاً ، تشكيل الحكومة الجديدة ، ويقلبون الطاولة على رؤوس الحزبَين الحاكمَين ! . لكن ذلك لم يحصل ، بالطبع .. والنتائج الفعلية ، أثبتَتْ بأن تشكيل الحكومة لن يكون " سهلاً " كما كان في السنوات السابقة .
- فالحزب الديمقراطي .. رغم ( إحتفالات ) أنصاره بعد إعلان النتائج ، فأنهُ في وضعٍ حرج وصعب ، كما أرى . فهو بمقاعده ال "38" والستة او السبعة مقاعد ، العائدة لكوتات المسيحيين والتركمان والأرمن ، المؤيدة للحزب الديمقراطي .. فبِ "44" او "45" مقعداً ، لايستطيع الديمقراطي ، تشكيل حكومة ، ولا تمرير مشاريع القوانين . إذن هو بحاجة الى "12" مقعداً آخرعلى الأقل ، لكي يتمكن من إحراز أغلبية ، وهذه الأغلبية ستكون ( ضعيفة ) بالتأكيد ، إذا أجمعَتْ البقية على ان تكون مُعارَضة . وبمعنى آخر ، ان الحزب الديمقراطي ، عليهِ ان يتحالف أما مع :
* الإتحاد الوطني ، بمقاعده ال "18" .. وفي هذه الحالة ، هنالك إحتمالَين ، الأول أن يَصُر الإتحاد ، وبسبب التراجُع النسبي في شعبيته وبضغطٍ من قاعدتهِ ، وفي مُحاوَلة للحفاظ على ماء الوجه ، ان يحتفظ الإتحاد في الحكومة الجديدة ، بالوزارات السيادية التي كان يضطلع بها سابقاً ، او تبديلها بأخرى سيادية ، وأن تكون له إمتيازات واسعة كالسابق ، أي بمعنى آخر ، تكون الكابينة الجديدة ، إمتداداً الى حدٍ ما ، لبنود الإتفاق الإستراتيجي . " ومن المُمكن ، إذا فشل الحزب الديمقراطي ، في التفاهُم مع حركة التغيير والحزبَين الإسلاميين .. أن يُوافق على شروط الإتحاد الوطني [ على الأقل في الستة أشهر الأولى ، لغاية إجراء إنتخابات مجالس المحافظات أو رُبما أكثر حتى الإنتخابات العامة في العراق ] " .
والإحتمال الثاني ، هو في حالة تفاقُم الخلافات الداخلية في الإتحاد ، وتشرذُم قياداتهِ .. فمن الجائز في هذه الحالة ، ان تتشكل الحكومة الجديدة ، بسيطرةٍ واضحة للحزب الديمقراطي ، على حساب ، إنحسار نفوذ الإتحاد ، أي قبوله ب " الأمر الواقع " والقيام بِدَور الشريك الأصغَر . وفي هذه الحالة ، على الأرجح ، سيزداد إستياء قواعد الإتحاد وشعورهم بالهزيمة ! .
* أو يتحالف الحزب الديمقراطي 38/45 مقعد ، مع الإتحاد الوطني 18 مقعد والإتحاد الإسلامي 10 مقاعد .. فيشكلون كُتلة كبيرة بأغلبية مُريحة . لكن ، ماهو الثمن الذي سيدفعه الحزب الديمقراطي ، لكي " يقنع " الإتحاد الإسلامي ، للمشاركة في الحكومة الجديدة ، والتخلي عن قُطبَي المُعارضة الآخرَين ، حركة التغيير والجماعة الإسلامية ؟ . ومن ناحية أخرى ، كيف ستُبّرِر قيادة الإتحاد الإسلامي ، لقاعدتها الجماهيرية ولا سيما في منطقة بهدينان ، المُشاركة في الحكومة التي تحت ظلها ، اُحرِقتْ مقراتهم لأكثر من مّرة ؟ . رُبما سيُمنَح الإتحاد الإسلامي ، وزارتَين على الأقل ، ورُبما أيضاً سيُفسَح لهم المجال ، لتحجيم الحُريات المدنية من خلال تقديم مشاريع قوانين الى البرلمان .
في هذا السيناريو ، سيتقاسم الإتحاد الوطني والإتحاد الإسلامي ، حوالي ثُلث الوزارات ، ولن يكون من بينها الوزارات الحساسة أي المتعلقة بالنفط والأمن !.
* أو سيتم تشكيل الحكومة من الديمقراطي ، مع حركة التغيير 24 مقعد والحزبَيَن الإسلاميَين 16 مقعد والإتحاد الوطني 18 مقعد .. أي حكومية توافقية . وهذا كما أعتقد ، هو ما يُفّضله الحزب الديمقراطي . حيث لن تكون هنالك ( مُعارَضة ) مُزعجة في البرلمان .
ولكن " التنازُلات " التي سيضطر الحزب الديمقراطي ، لتقديمها .. ستكون باهظة بالتأكيد : فعلى إفتراض حصلتْ حركة التغيير على " وزارة المالية " مثلاً أو على رئاسة لجنة النزاهة في البرلمان ( من الممكن ان تكون هنالك صفقة واحدة للتوافق في الحكومة والبرلمان معاً ) .. أو على وزارة الموارد الطبيعية مثلاً .. فأن الحزبَين الديمقراطي والإتحاد ، ولا سيما الديمقراطي ، لن يكون في مقدوره بعد ذلك ، التصرُف بِحُرية بالموارد كما في السابق ، أي سَيُحرَم من أهم مصادر قُوّته ونفوذه ! . ( شخصياً لا أعتقد ان الحزب الديمقراطي ، سيقبل أن تتولى حركة التغيير ، وزارة الموارد الطبيعية او وزارة المالية .. لأن ذلك إنتحارٌ سياسي للديمقراطي ، وفُرصة ذهبية لحركة التغيير ، لتنفيذ برنامجها الإنتخابي الرامي الى الشفافية والحَد من الفساد والهدر ) .
أما إذا إرتضتْ حركة التغيير ، بوزارات ثانوية بعيدة عن المال والنفط ، فأن ذلك سيؤدي الى الضياع التدريجي لمصداقية الحركة ، من خلال عدم قدرتِها على إحداث إصلاحات جذرية ، كما وعدتْ جماهيرها .. وستضطر بالتالي ، ان تُمارس دوراً مُشابها لدور " القائمة العراقية " في بغداد ، كأن تضع قدماً في السُلطة وأخرى في المعارضة ! .. ذاك الدَور الذي أثبتَ فشله بالتأكيد . فعلى سبيل المثال ، إذا كان لحركة التغيير ، وزارات الصحة والعمل والثقافة وغيرها ، إفتراضاً .. وبقيتْ الوزرات الأمنية والمالية والموارد الطبيعية ، بيد الحزب الديمقراطي والإتحاد .. فأن نواب حركة التغيير في البرلمان ، سيمارسون دور المُعارضة ، رغم تواجدهم في الحكومة .. فينتج عن ذلك ، ضُعف الحكومة ، وسيقوم الحزب الديمقراطي ، بإلقاء مسؤولية السلبيات الموجودة ، على عاتق حركة التغيير .. كما يفعل المالكي في بغداد ، بالنسبة الى العراقية ! .
*تمرُ الأيام سريعاً ، منذ إعلان النتائج النهائية للإنتخابات .. وتجري المُباحثات " وراء الكواليس " ، بين مُختلَف الأطراف ، من أجل تشكيل الحكومة . وصحيحٌ ان الحزب الديمقراطي ، يملك أوراقاً أقوى من بقية الأطراف ، يستطيع اللعب بها .. لكنها ليستْ من ذاك نوع [ الجوكر ] ، الذي كان قبل سنواتٍ ، وبالإتفاق مع جوكر الإتحاد الوطني ، يُنهي اللعبة ويحسمها بسهولة ! . فاليوم " ورُبما حتى بتأثيرات أقليمية ودولية أيضاً " .. فأن حركة التغيير ، أصبحتْ أمراً واقعاً و " شّراً لا بُد منهُ " إذا جاز التعبير ، ولا يُمكن القفز من فوق حقيقة ، وجود احزاب الإسلام السياسي على الساحةِ أيضاً .
أعتقد ان الحزب الديمقراطي الكردستاني ، ليستْ عنده مُشكلة كبيرة مع " قاعدته الجماهيرية الشعبية " التي صّوتتْ له . مَهْما كانتْ الحكومة القادمة وبأي طريقة تتشكل .. فالديمقراطي سيُقنِع هذه القاعدة ، بسهولة .. لأنها أساساً تُبدي ولاءاً يغلب عليه الطابع العشائري والعاطفي والشخصي .. ولا علاقة لها بالمفاهيم السياسية او البرامج ومدى تنفيذها . يمكن تشبيه هذا الولاء ، الى حدٍ ما ، بولاء قسمٍ كبير من الشيعة ، لأحزاب الإسلام السياسي الشيعية ، رغم كُل الفشل الذريع في أداءها طيلة العشرة سنوات الماضية ! . المُهم بالنسبة الى الحزب الديمقراطي ، ان يكونَ " قائداً " في المرحلة القادمة أيضاً ، بِغض النظر عن كيفية ذلك .
رغم إنكار معظم قيادات الإتحاد الوطني ، فان الإتحاد يمرُ في أزمة عميقة .. ونتائج الإنتخابات كانتْ إحدى تجليات هذه الأزمة . وهنالك فرق مهم ، بين القاعدة الجماهيرية للإتحاد ومثيلتها في الحزب الديمقراطي . فلا أعتقد ان مناصري الإتحاد الذين صّوتوا له ، سيقتنعون بأقل من تغييرٍ كُلي في هيكلية القيادة ومُحاسبة المُقصرين ، خلال الأشهر القادمة .. وذلك امرٌ صعب في الواقع .. لأن العديد من هذه القيادات ، يسيطرون اليوم على مصالح تجارية ومالية ضخمة " شأنهم في ذلك شأن قيادات الحزب الديمقراطي " .. وما يجُرهُ ذلك من نفوذ وحماياتٍ كبيرة أشبِه بجيوشٍ صغيرة ، ومجاميع متشعبة من المنتفعين الطُفيليين .. فلا أعتقد انه من الممكن ، إزالة هذه الطبقة من القيادات ، بقرار أو إجراءٍ إداري او حزبي بسيط .. فالأمر أعقد من ذلك كثيراً .. ويحتاج أما الى ثورة وإجراءات إستثنائية " وهو ما ليسَ متوفر في الوقت الحاضر " .. أو الى صبر ووقت وتحولات تدريجية ! . أرى ان الإتحاد الوطني ، اليوم .. ولكي يُرضي قسماً من قاعدته ويُغريها بالمال والمكاسب ، فأنه سيشترك في الحكومة القادمة ، مُحاولاً الحفاظ على أكبر قدرٍ ممكن من النفوذ والإمتيازات .
الفرقُ بين الإتحاد الإسلامي الكردستاني ، والجماعة الإسلامية الكردستانية .. هو مَيل الإتحاد الإسلامي ، أحياناً .. لإمساك العصا من الوسط .. فهو من ناحية رُكنٌ من أركان المُعارضة .. ومن ناحية أخرى ، يُلَمِح الى إمكانية إشتراكهِ في الحكومة .. أعتقد بأنه لايُمكن تَجاهُل التأثيرات الأقليمية على موقف الإتحاد الإسلامي .. فمادام هو جزء من التنظيم الدولي ل " الإخوان المسلمين " .. فينبغي تَوّقُع التأثير التركي والخليجي عليه . بل رُبما تنجح الضغوط التركية أيضاً ، في إقناع الحزب الديمقراطي ، على تقديم بعض التنازلات للإتحاد الإسلامي وإشراكه في الحكومة القادمة ! . ليسَ صعباً على قيادة الإتحاد الإسلامي ، تأويل إشتراكه بالحكومة وإدراج أمثلة من التأريخ الإسلامي ، بحيث يُقنِع جماهيره التي صّوتتْ له !.
حركة التغيير ، شأنها شأن كُل الاطراف السياسية في الأقليم .. أمامَ مأزق تشكيل الحكومة .. فالمُشاركة لها إيجابياتها وسلبياتها ، كذلك المُقاطعة أيضاً . لكن شطارة الحركة تكمن ، في الحفاظ على جبهة " المعارضة " الثلاثية ، مُتراصة ، فأما ان يُشارك الجميع في الحكومة ، بشروط قوية وواضحة .. وأما عدم المُشاركة ، وتجديد مُعارضة قوية فَعالة داخل البرلمان ، بل وحتى جَر العديد من إعضاء الإتحاد الوطني وأعضاء الكوتات ، الى جانب المُعارضة .. وبهذا ستكون سداً منيعاً في وجه تحّكُم الحزب الديمقراطي .. وسيكون إرجاع مشروع دستور الاقليم الى البرلمان لإجراء تعديلات عليهِ .. أولى المعارك الجدية المُنتظرة ! .
مقالات اخرى للكاتب