كّشفْ نظام إيران عورات (نوويه) أمام التفتيش المفاجئ للجان الأُممية يعد تنازلاً مفاجئاً لـ"الغرب". إكتفى النظام بأرشفة معلومات تصنيع القنبلة النووية دون إستملاكها. إستعاض عن نوويه بممارسة أدوار ونفوذ داخل وخارج المنطقة. التنازل يكشف معاناة النظام الداخلية في مواجهة الخارج. طلبت أجهزة "الغرب" ومؤسساته معرفة الأسباب، فتكشفت باقتفاءها أثر معلومات "واشنطن" التالية:
يواجه الرئيس "حسن روحاني" أصعب مراحل الحكم في تاريخ "إيران". فقد إزداد عدد المتعلمين وازداد عدد الأُسرة الدينية الحاكمة (صُناع الثورة) ومعها أحلام جيلها الجديد للسلطة والثروة. إزداد دخل "النفط" وازداد معه الإنفاق والعمولات والثروات والتحديات. ومع الدخل والإنفاق الخوف لما يترتب على هذا الإزدياد. كل شي يزداد ويتقدم إلا آليات النظام. الآليات لا العدد. فإنها تظل على ماورث. ويزداد معها الحاكم خوفاً من الغد. ينام غير آمن ويفيق غير آمن.
هنالك تناقض أشد مازال مكبوتاً إنه إتساع المسافة بين الحاكم والمحكوم. وبين الآباء والأبناء من الأُسرة الدينية الحاكمة المنتجة للطبقة السياسية بـ(الإنتخاب- التفويز). الآباء أكثر قلقاً وأُصولية وخبرة بالتعامل مع الناس والمشاكل. الأبناء أكثر جُرأة وانفتاحاً وتواصلاً مع الحداثة وشبقاً للمال والسلطة. وبقدر ماسبق وتصارع الآباء على السلطة في الغرف المغلقة سيتصارع الأبناء مع فارق بسيط، وهو أن (الآباء المعممين) أقل عدداً، أما (الأبناء المدنيين) فتهدد كثرتهم وطموحاتهم مستقبل الأُسرة الحوزوية والنظام السياسي. الآباء كانوا أشد إنضباطاً في علاقاتهم بالخوف من المجهول. الأبناء يملكون الجُرأة ويخشاها الكثيرون.
التغيير المفاجئ سيجرف الماضي. النظام يتشقق. ونهاره يمضي وليله يقترب. الكثيرين داخلاً وخارجاً يتوقعون مع نهاية النظام نهاية ثُنائية- النفط والدين- وتمزق الجغرافيا.
تطرح مرحلة روحاني بشروطها عظيمة الخطر سؤالاً آخر يتجاوز الشكل؟.. تطرح سؤال البقاء وهل يستطيع النظام بآلياته وموروثه وتردده الإستجابة لتحديات الحداثة وانتشار التعليم؟.. هل يستطيع مواجهة عالم الإنترنيت والتواصل؟!..
الأسئلة ذاتها تواجه من يرث السلطة بعده وبعد بعده. لا أحد يجهل أن النظام الإيراني هو نظام سطو وغلبة وحكم ووراثة وتوريث وانغلاق ديني. وقد إستنفدت تلك القصة أحاديثها ومبرراتها وأبطالها صحيحها وأساطيرها. ثمة تحديات جديدة تتصل بعالم الحداثة تقتحم ولا تستأذن. وأعظمها (الديمُقراطية) بمعنى (المشاركة في إدارة الشأن العام) ومواجهة تحديات الجمود وتفكك المجتمعات الهرمة.
يقف النظام الإيراني اليوم في نقطة التقاطع والقلق من صراعات الأفكار والمشاريع محتفظاً لنفسه بقرار تغليب فريق على آخر أو إقامة التوازن بمقتضى الحاجة. غير إن لُعبة (التوازن القلق) تظل بديلاً مؤقتاً ويظل المستقبل هو الأكثر إلحاحاً بضغوطه ويستولد جديده. إقترب دور أبناء (الثورة) من نهايته ليبدء أحد دورين.. دور الجيل الجديد وهو الأصعب والأخطر، أو دور من سيطلُع من عمق القوة ومعها هذه الأحداث ليقود التغيير بدعم الخارج.