الحاكمون, المختومة جباههم بختم التقوى, من ابناء الماضي واصحاب العنعنة, الممتشقون حسام اجدادهم, سرقوا احلامنا واموالنا, دونما خوف من آيات الله البينات. مسوخ ظهرت من قلب الفوضى. احزابهم... احزاب الكوليرا التي تأسست وكأنها خطأ من أخطاء الرب, كان الهيام بالطائفية شغفاً, سياستها اليومية. راحت تؤجج سعير احقادها وتقتات على حبنا للوطن, منشدة: مباركة هي المحاصصة.
حكومتهم التقية, العنينة الانجازات والولاّدة للمشاكل, فشلت فشلاً دموياً في رفع المظلومية عن العباد واطراف البلاد.
برلماني وقائد مأتمي, كال لنا الوعود, قبل تبرلمنه ولكنه ابتلع وعوده عندما استقرت مؤخرته على كرسي البرلمان, أصبح كل همه إلحاق الحاضر بالماضي.
- محا الله اسمه من جميع الحوافظ. انت الماضي الذي لانريده !
كل المُمسكين بمهاميز السلطة بأظافرهم وانيابهم, متصاممون عن تظلمات العباد. يرون ان واجبهم الشرعي هي تخويف الفقراء من مراجل الجحيم. فلطالما قرأوا علينا آية العذاب... يعتقدون جازمين بأن دخلاً بلغ عدة ملايين من الدنانير شهرياً هو تفسير شرعي لتعاليم الدين. بينما رائحة فضائحهم " تجيب الضبع من سفر يوم " (2) .
احدهم, " لو ذكر اسمه على ال ..... ماء ما ساغ شربه" (3) , كان عندما يعظ الناس تراه كأنه " يريد يعلًم اليتيم البـچـي" (4) . عندما سُؤل: من اين لك هذا ؟ اجاب وكان جوابه اقرب الى نكتة في مجلس عزاء, " هذا من فضل ربي" (5).
عراقي يتّشكى من واقع حاله:
" لا كهربا, لا ماي, بالسطح نايم
إخلصنا من صدام طحنا بعمايم" (6)
شاعر إخذيذ يهتف بين الجموع ناصحاً:
"يا عراقي, يابو گـلب الفطير..... لا تظل قشمر لكل دوني وحقير" (7).
احدهم يائساً قال:
" أميٌّ هذا الوطن
لايقرأ ألم الفقراء ولا يكتب اسمائهم
أصمّ لايسمع أنينهم
أعمى لا يرى جراحهم
أبكم لايهديْ خواطرهم
مشلول لايزور قبورهم" (8)
ثم اردف: " عساها حبلانة بجحش" (9)
شباب يحبهم الكافر... شباب تهمهم العاصفة في قلوبهم, اجتمعوا يوماً للنظر بما آل اليه سوء الحال.
شاب يعرف سُراقه, قال: " يابلاداً بين نهرين
... بين سيفين, بلاداً مرّة, تافهة الحكام " (10)
شاب آخر, نزق بلغ تذمره حد السخط, أنشد حانقاً :
" لعنتم جميعاً من وجوهٍ لبلدةٍ..... تكنّفهم جهلٌ ولؤم فأفرطا
وان زماناً أنتمُ رؤساؤهُ..... لأهل لأن يُخرى عليه ويُضرطا " (11)
شابة جميلة قادرة على حبس أنفاس تنين قالت برقة :" لا أفق لحمامة بيكاسو في سماواتهم " (12).
شاعر رومانسى, كان قد إرتكن جانباً, اعلن:" الجمال سينقذ العالم" (13).
أضاف آخر " ولا تركنوا الى الذين ظلموا" (14), ارملة وام شهيد, ممن يعرفون درب الجلجلة: " لا تمكث طويلاً بصحبة من لا قلب له" (15).
أحدهم مزيتّة بدلته قال بحزم: " أكره الضحايا الذين يحترمون جلاديهم" (16)
أيده زميله: " أعتقد انه قد آن الأوان لأن نجعل من الاضطراب شيئاً منظماً" (17).
علا النقاش, وبدأت الفكرة تتبع الفكرة والحجة تلاطم الحجة حتى قرّ القرار: الانتفاضة.
-" ليس هناك جيش اقوى من فكرة حان أوانها "! (18)
وجوه الرخم, صُعقت بالجموع الهادرة المنادية بحقوقها, الرافضة لعهدهم العامر بالفضائح والسرقات, مرعوبين, ناظرين الى الشعب الثائر من مستوى عيني كلب.
مسممين بالغيظ, تداولوا الامر, الحيرة قاتلتهم, ماذا نحن عاملون؟ " أصبحوا كحمار بين كومتي شعير" (19), لكنهم تذكروا انهم خير من يتقن تعقيد الامور," فالنهر العكر مكسب لهم " (20) : " لاشيْ غير المراوغة والمزاوغة, هما الحل, حتى نعبر بحر المحنة ".
- طبعاً ف" إبليس ما يخرّب عشه" (21).
بدأوا ترصّد الثائرين, علْ هفوة حماس, تنجي ذواتهم وتحفظ اموالهم. أشلوا كلابهم علينا في شوارع المدن, واحدهم مندوب متجول للرعب, يغتال هذا ويختطف ذاك ويعتدي على اولئك. في الوقت الذي كان الرعب يطرق ابواب بيوتنا, متلمظاً بشهوة الدم, برايته السوداء, يبشرنا: " جئناكم بالذبح" !
كانوا وحوشاً, كأن الجحيم قد تقيأهم للتو, ليعاقبنا على خطيئة برج بابل وابتداع القيثارة السومرية. أنهم أقسى من خرّج الجحيم... يفجروننا ببشاشة كهنوتية.
-" كون الله يخلق نار بس لليفجرون
مثل التشب بگـلوب أهل اليموتون" (22)
في مؤتمر صحفي, لطبيب مستوزر بمرتبة شيف مطبخ دبلوماسي قدم تشخيصاً شاعرياً للحالة " اصطخاب مستأصل في الدم العراقي". كان يتلعثم بقصص غير مفهومة... كان وجوده اشبه بخطأ بروتوكولي.
بعد ان نفذ صبر احد الصحفيين من الاطالة قال: فدوة أروحلك! اوصلنا الى المأساة !
بينما اللاحسون قصاع الظلمة, يفحّون بألمعية في فضائياتهم, بلسان الثعابين: حكامنا من أهل الله وتقاة دينه, متوضأة اياديهم, ممهورة جباههم من اثر السجود! كانوا يكرروها كآية محفوظة, داعين الناس الى محاباة المحنة وفرسانها.
-" من لايعرف الخير من الشر, الحقوه بالبهائم". هكذا ببساطة, قالها حكيم الاغريق سقراط.
نحن المشبعين بالفاجعة, نعلم أنهم أكذب البريّة, وان حياد الحملان لايلزم الذئاب.
بعضنا عوّل على رئيس وزارات توزيع المغانم, بأعتباره حائط مبكى, تعلقوا بأذيال كعبته, توقعوا منه ان يتصرف بتسامح مسيحي.
- لكن هل تستطيعون إيقاظ شخص يتظاهر بالنوم ؟
... يالأهنتم بحياتكم الباذخة الفقراء ! ألا تخافون" يوماً عبوساً قمطريرا" ؟
(1),(5),(14)- آيات قرآنية
(2),(4),(9),(19),(20),(21)- امثال عربية وعراقية
(3)- البهاء زهير/ شاعر من العصر الايوبي
(6)- اهزوجة لمتظاهرين في مدينة السماوة
(7)- ملا عبود الكرخي
(8)- محمود درويش
(10)- سعدي يوسف
(11)- ابو الحسن بن لنك
(16)- جان بول سارتر
(17)- سلفادور دالي
(18)- فيكتور هيجو
(22)- ذو الفقار من الفيس بووك
مقالات اخرى للكاتب