يذكرني لغز ضياع و مآل 76 مدرعة حاملة للجنود مرسلة من دولة خليجية بعد وصولها الى مطار بغداد, كما صرح بذلك نائب رئيس الجمهورية المُقال اياد علاوي, بحزورة متداولة في العراق, مضمونها: شيْ اخضر مدّور, داخله احمر وبيه حب ركي, ما هو؟
ومما يجلي غموض الأمر كله, تأكيد وزير الدفاع بمعرفة الاستخبارات بوصولها ولكن ليس لديهم علم اين مآلها !!! خصوصاً وان هذا التأكيد جاء مترافقاً مع تصريحات لمسؤولين حكوميين آخرين بعدم صلاحية هذه المدرعات للاستعمال!!!
قد نتقبل فرضية وجود من له هواية جمع السكراب في هذه البلاد العجيبة, وبالخصوص المدرع منه. لكن ما يحيرنا اكثرهو لماذا بهذه الطريقة المريبة ؟ ثم من هي هذه الدولة الخليجية التي تريد ارسال 500 مدرعة سكراب ( كمساهمة في مكافحة الارهاب) ثم تغامر بسمعتها بالاستفسار عن مصيرها ؟ في الوقت الذي امتنع السيد علاوي فيه عن الكشف عن اسمها.
و لأن بعض الجهات تعول على النسيان الشعبي, فأن شيْ من المشاغبة لأنعاش الذاكرة الشعبية لن يكون مضراً ابداً , ان لم يكن مفيداً تماماً. فقد سبق وان وصلت/ تشرين الثاني العام الماضي, شحنة اسلحة على طائرة روسية مؤجرة لجهة غير معلومة ومرسلة الى جهة ليست معلومة ايضاً الى مطار بغداد, جرى مصادرتها, كما قيل في حينها. ثم وعد حيدر العبادي بأجراء تحقيق رسمي لمتابعة الامر ومعرفة الجهة المرسلة لها الشحنة, لكن بعد ذلك ماتت القضية ولم نسمع عن نتائج تحقيقات اللجنة.
تخمين المواطن العراقي يشير الى ميليشيا او ميليشيات متعددة متنفذة تتخوف الاطراف الحكومية عن ذكر اسمها و تتستر عليها بسبب ارتباطاتها بجهات اقليمية لها سطوة. بينما يشير المواطن بثقة الى ايران كدولة راعية لهذه الميليشيات.
واذا كان مبرر التغاضي عن كشف الحقيقة هو اشتراك هذه الميليشيات حالياً في مقاتلة داعش, فأن الدولة كانت, بالنهاية ستوزع هذه المدرعات عليها بدون الحاجة لهذا الاسلوب الملتوي, لاسيما وان الاحزاب المهيمنة على السلطة, بمعظمها, لها نفس الهوى الطائفي السياسي.
لكن التنافس المتنامي بين اطرافها, وسعي كل طرف الى الأستقواء على الطرف الآخر, هو مايبرر سلوكها الاستحواذي هذا. فما من ميليشيا لا تتطلع الى قطف ثمار اشتراكها في قتال داعش, بدور مؤثر في ادارة الدولة مثل تسلم رئاسة الحكومة.
ان المسألة لا تتوقف عند اختفاء 76 مدرعة في بلد مضطرب, بهذه البساطة فحسب. بل الأهم من ذلك حل اشكالية تآكل هيبة الدولة وغياب السيطرة الفعلية لها على المنافذ الحدودية وفي مقدمتها المطارات. كما لابد للسلطات الرسمية من وضع حد لمشكلة فوضى السلاح ومظاهر العسكرة والانشطة الميليشياوية, واحتكار الدولة للسلاح بكل انواعه مع سن القوانين الرادعة لكل مظاهر العنف الجماعي والفردي.
غير ذلك سنكون عرضة لصراع خراتيت دموي قادم يجعل ايامنا اكثر قتامة.
مقالات اخرى للكاتب