نشرت صحيفة الشرق الاوسط ( سعودية التمويل ) في عددها اليوم ، تصريحاً لعضو مجلس محافظة نينوى ( غزوان حامد ) ، أعلن فيه أن (خطة ) تحرير الموصل المعدة من وزارة الدفاع العراقية ، ستنطلق في بداية العام القادم بمشاركة ( 80 ) ألف عنصر ، وأضاف أن هذا العدد سيكون متوفر من القوات الاتحادية التي ( ستأتي ) من بغداد وشرطة نينوى وقوات البيشمركة الكردية ، وأضاف ( عندما تحرر القوات العراقية ( الشرقاط ) الواقعة جنوب الموصل ، ستتجه للسيطرة على ( القيارة ) ، وبذلك ستصبح الموصل محاصرة من جميع الاتجاهات ) ! .
هذا الـ ( عضو ) الذي أطلق تصريحاته الى مراسل صحيفة الشرق الأوسط السعودية في أربيل (دلشاد عبد الله ) ، ليس لدينا أية معلومة عن دوره أثناء أجتياح عصابات ( داعش ) الاجرامية لمدينة الموصل ، باعتباره ضمن قيادة مجلسها المنتخب ، ولا عن أسباب وجوده الى الآن في أربيل ، فيما تخوض القوات الأمنية العراقية والحشد الشعبي الساند لها وقوات البيشمركة الكردية قتالاً ضارياً في أكثر من موقع في محيط الموصل وباقي المناطق الأخرى لاستعادتها من قبضة الأرهاب ، كما لانعرف من خوله لعرض كل هذه التفاصيل لصحيفة معروفة الاتجاهات والتمويل والأهداف وفي هذا التوقيت بالذات ؟ .
لقد تضمن تصريح الـ ( عضو ) تفاصيل محدده عن أعداد القوات وأتجاهات تنفيذ خطة التحرير وتوقيت الشروع وتسمية الأطراف التي ستقوم بها ، قبل تنفيذها بستة أسابيع على وجه التقريب ، وهي مدة كافية لأية جهة مستهدفة للقيام بموجبات المواجهة لأفشالها ، ليس هذا فقط ، أنما الأمر الأكثر أهمية يأتي هنا بشقين ، الأول هو كيف وصلت ( خطة ) وزارة الدفاع لتحرير الموصل ( اذا كانت هي فعلاً موجودة بهذه التفاصيل ) الى هذا الـ ( عضو ) الموجود في غير موقعه المفترض أن يتواجد به في هذا الوقت الاستثنائي ؟ ، والشق الثاني، أذا كانت الخطة هي فعلاً كماعرضها ، كيف يسربها للاعلام ( واي اعلام ) ؟، وماهي الدوافع الحقيقية لهذا التسريب غير المسؤول ؟ .
أما دور صحيفة ( الشرق الاوسط ) فيأتي منسجماً مع أهدافها في أكثر من محور ، الأول هو أبراز ضعف الحكومة العراقية في الحفاظ على سرية مخططاتها لمواجهة ( داعش ) ، والثاني هو تقديم المعلومات المفيدة لـ ( داعش ) لتوفير الوقت الكافي لاستعدادها لمواجهة القوات العراقية ، والأخطر من ذلك هو المساهمة في تعميق الخلاف بين المركز والاقليم لاضعافهما ، من خلال تضمين الخبر تصريحاً خطيراً للناطق الاعلامي لوزارة البيشمركة العميد ( هلكوت حكمت ) ، جاء رداً على تصريحات ( غزوان حامد ) ، وكان نصه ( لا أتصور أننا نستطيع في ذلك الوقت المشاركة في عملية استعادة الموصل ) ، وهذا المضمون يمكن أن تستثمره جهات بعينها لافشال جهود التنسيق بين الطرفين بعد تشكيل الحكومة الجديدة ، ناهيك عن ردود الافعال الشعبية ضده في هذا الظرف العصيب .
ان الفوضى تتقاطع في كل الأحوال مع أصل المفاهيم الديمقراطية ، وفوضى التصريحات غير المنضبطة في العراق ساهمت بشكل فاعل في كل اشكال الخراب التي نواجهها منذ سقوط الدكتاتورية ، وأذا كان البعض ( ممن يمتطون أحصنة مناصبهم ) يعتقدون بأن الديمقراطية تسمح لهم بالتصريح كيفما يشاؤون وفي أي وقت ولأية جهة يرغبون ، دون حساب لتأثير تصريحاتهم وخطورتها ، فأنهم بذلك يساهمون في تقويض دعائم الديمقراطية وتسريع الاجهاز عليها وتفريغها من مضامينها الاساسية والضرورية في اعادة بناء المؤسسات وتطوير أدائها وصولاً لبناء العراق الجديد .
اننا ننتظر من الجهات المسؤولة ، ووزارة الدفاع العراقية تحديداً ، الرد العملي والقانوني على تصريح عضو مجلس محافظة نينوى ( غزوان حامد ) لجريدة ( الشرق الاوسط ) ، كما ننتظر اتخاذ أجراءات سريعة وحازمة لضبط فوضى التصريحات عموماً ، والتصريحات الخاصة بالجانب الامني على وجه الخصوص ، لأهمية ذلك في تفعيل الجهد العام المواجه لعصابات داعش ولكل قوى الارهاب على الساحة العراقية ، ليس لأن ذلك من واجبات السلطات الثلاث في العراق فقط ، انما لأنه يساهم في الحفاظ على دماء الابرياء الذين يسقطون يومياً مضرجين بدمائهم الزكية نتيجة لتلك التصريحات غير المسؤولة
مقالات اخرى للكاتب