شدني احساس الحنين الى الماضي باستذكار بغداد ايام زمان ايام كانت بغداد لاتعرف من وسائل اللهو والتسلية والترفيه الا المقاهي حيث اعتاد روادها الذين يجلسون على تخوتها المغطاة بالحصران المعروفة باسم " البارية " يلعبون الطاولي والدومنه .. اما الملاهي فلم تعرفها بغداد الا في عام 1908 وكانت قليلة كما كانت بعض المقاهي تتحول الى اماكن طرب اذ يغني فيها قراء المقامات العراقية بمصاحبة الجالغي البغدادي وكانت تلك المقاهي هي المدارس التي تعلم فيها اشهر قراء المقام في القرن العشرين اصول الغناء من المطربين القدامى كما فعل الاباء والاجداد وكانت اوقات الفراغ عند البغداديين كثيرة لان الاعمال كانت محدودة النطاق فعامل البناء كثيرا ما كان يجد نفسه بلا عمل وقد يؤدي بعض الاعمال التي لاتأخذ من ساعات نهاره الا بضع ساعات عندما يكلف باداء بعض اعمال الترميم وينطبق هذا على اصحاب المهن الحرة الاخرى وكانت عندهم هوايات بعضها مازالت موجودة كتربية الطيور والبلابل والاكباش والديوك الهراتية كانت هواية تربية الطيور مرفوضة وكان المطيرجي غير محترم وكان الانسان اذا اراد شتم شخص قال له "مطيرجي " وكان بعض الاشخاص يربون الاكباش من اجل الدخول في مراهنات حولها عندما يتناطح كبشان كما كانوا يقومون بالمراهنة على ديكين هراتيين يتصارعان بالنقر وباشهار المخالب بعضها على البعض الاخر فيتطاير منها الريش ويسيل الدم من راسيهما وكان لاصحاب تلك الهوايات المقاهي الخاصة التي يرتادوها ويتحدثون تحت سقوفها بكل ماله علاقة بهواياتهم واشهرها كانت في منطقة الفضل وباب الشيخ
كان سكان بغداد يعيشون في ظروف اقتصادية متردية لكن هذه الظروف لم تمنعهم من التمتع بمباهج الدنيا على طريقتهم الخاصة التي لاتخلو من بساطة وطيبة ووسط هذه الظروف برز اشخاص كانت لهم مكانتهم الاجتماعية بسبب مايملكونه من مال او جاه او ثقافة جعلتهم يحتلون مواقع مهمة في ادارة الدولة العراقية التي انبثقت بعد احتلال القوات البريطانية للعراق ووسط هذه الظروف برزت شخصيات من اصول عربية او عراقية لقيادة البلاد كانت لها صولات وجولات في صراعها مع المحتل لكن هذا الصراع لم يخلُ من مواقف انسانية اتسمت اغلبها في مناصرة الضعيف ضد القوي المتجبر دللت على اصالة هذه الشخصيات التي مازالت افعالها ماثلة امام المواطن العراقي ممن عاش او سمع اطراف حديث عنها .. ويوم كنا صغارا كانت من ابرز اللعب التي نلعبها حينما نرغب اختيار شخص لتنفيذ مهمة صعبة الجلوس نحن الاطفال متجاورين ويبدأ كبيرنا او المتنفذ بيننا بترديد كلمات طالما اشتهرت خلال تلك الايام الجميلة
حيث يبدأ بالقول " حجنجلي بجنجلي صعدنه فوك الجبلي لكينه قبه قبتين صحنه يعمي يحسين هذا مقام السلطان شيل رجلك ياعمران " فيقع الاختيار على من اطلق عليه عمران وتبدأ رحلة التحدي .. كانت ايام جميلة على فطرتها الكل ينعم بالنية الصادقة والاثر الطيب الا ماندر فلا جائع ولا متسكع ولا متجاوز ولا مخالف .. كانت جموع الناس تعيش المحبة بشكل بريء ليس بينها من يثير نعرة عرقية او طائفية الكل يقرأ ويكتب ومن يتخلف عن الدراسة يذهب الى مراكز محو الامية ليتلو " راشد يزرع " ليستنجد به فيمحو اميته حتى وصل العراق في ذلك الزمن الى بلد خالي من الامية كانت تعاملات الناس بالفطرة وهي على بدائيتها صادقة النوايا فكان شرطيا واحد في حي يستطيع ان يفرض هيبة الدولة لمجرد مروره في شارع من شوارع الحي ومعه مسدس اثري لايستخدمه طوال خدمته .. اليوم ووسط التحولات الجديدة والمتغيرات بات الشرطي ملثم خائف من المجهول واللص مكشوف الوجه بات المسجد الذي كان ملاذا للسكان للجوء اليه في ايام العسر والكوارث بات المسجد محاطا بالاسيجة الكونكريتية والحمايات الخاصة خوفا من عمليات استهداف ارهابية " انقلبت اللآية واصبحت حكايه " وجلسنا نحن الخائفين المرتجفين نردد "حجنجلي بجنجلي صعدنه فوك الجبلي لكينه قبه قبتين صحنه يعمي ياحسين هذا مقام السلطان شيل رجلك ياعمران " هذه الانشودة تنطبق على الواقع الذي نعيشه اليوم وقد ارتأيت ان انقلها في مقالي هذا وهي اصدق تعبير عن المأساة التي نعيشها .. نحن نعيش في هذا العالم المجهول على بركة مياه وسخة نتنه زكمت انوفنا وجعلتنا سكارى وما نحن سكارى نحن نعيش على حافة مياه بحر هائج ونحن رغم هيجانه نجلس امامه خائفين نردد " حجنجلي بجنجلي وزير الك وزير الي فراش الك فراش الي صخله الك صخله الي والطلي يرادله جلي .. خلي نجلس ونغني " عل شوملي عل شوملي " امريكا ما تقبل بعد حب الوطن يعود الي .. حجنجلي بجنجلي .. او الف حسرة على ام علي من صار الوطن يغلي غلي وزير الك وزير الي جبل الك والهور الي بصره الك اربيل الي كردي الك عربي الي اليزيدي شرد او صار من داعش مبتلي نفطي الك والغاز الي خوجه علي ملا علي " حجنجلي بجنجلي " والي ايحاسب يبتلي صرنا بالوطن نبيع و نشتري صار الوطن يغلي غلي " حجنجلي بجنجلي "
مقالات اخرى للكاتب