نبقى دوما في دائرة ما يواجه الإنسان المسلم من تحديات يومية وتفصيلية تتعلق بوجوده أساسا وأرتباط هذه التحديات بما ينسب للإسلام كدين، والحقيقة أن الإسلام بمعزل عن الأفكار الدينية التي نشأت تحت ظله الزمني لا يمكن بأي حال من الأحوال جعلها بديلا عن الصورة الأساس التي جاء بها القرآن وطرحها فكر معرفي عقلاني وحدد لها منهجا عقليا خياريا في أن تتعامل بكونيتها الخاصة لا بكونيتها التي تحولت لها بتدخل السلطة والنزاعات السياسية والفكرية في المجتمع الإسلامي، وما نشأ وترتب من واقع لاحق لهذا التنازع والصراع والأختلاف من ظواهر وممارسات أطاحت بالإنسان والدين معا في بوتقة التحريف والتزيف والظلم.
تحديات اليوم تتكاثر وتتنوع ووتتفاعل فيما بينها لتكشف أن الواقع متخلف جدا عما يجب أن يكون عليه الإنسان من تكريم ومحورية ودور وظيفي، قضايا مثل حقوق الإنسان والحرية والمشاركة الفاعلة في مسيرة الحضارة من جهة، وأرتباطها بقضايا تحرير المرأة وحقوقها والأهتمام بالأسرة والطفولة وصيانة الأمن المجتمعي، وعلاقة كل ذلك بالمنظومة التعليمية والتربوية وعدالة النظام الأقتصادي وبناء مرتكزات التطور المستدام عمليا، كلها قضايا جدلية وخلافية ساهمت في توسيع الهوة بين المجتمعات الإنسانية بين فقر مدقع وأستغلال بشع وحروب متواصلة، وبين ثراء فاحش وأستغلال متواصل وتدخل فاضح في شؤون الفقراء وأستعباد أنظمة ومجتمعات في صراعات كونية متعددة الأطراف والنوايا والأستراتيجيات.
المجتمع الإسلامي والعقل المسلم ما زال دوره محصورا في المشاهدة والترقب وأنتظار الماضي أن ينهض من جديد، دون أمل في أحداث ثورة فكرية وتغيير أنقلابي على الأقل كردة فعل على واقعه المهزوم، وما زال هذا الفكر والعقل منشغلا بقضايا ماتت من أكثر من ألف وأربعمائة سنة تلاك يوميا وتتجدد صراعاتها في قضية لا موجب ولا يمكن أن تكون قضية أساسية، قبال التحديات الوجودية والمصيرية التي يعانيها واقعنا كمسلمين.
وما زال المسلمون منشغلون بفكرة أن الأخر وضعهم في موضع المؤامرة والتهميش لأنهم (خير أمة أخرجت للناس) دون أن يترجموا هذه الخيرية إلى واقع عملي، ودون أن يفكروا أن الضعيف والمأزوم والمتلاشي لا يمكن أن يكون مؤامرة للقوي ما لم يهزم نفسيا ومن داخل شخصيته الضعيفة، من حق كل الأمم أن تبحث عن مصالحها بعيدا عن الأخلاقيات والمثاليات الفكرية وهذا واقع معاش، ولكن بأي حال ليس من المعقول والمنطقي أن نبقى أسارى أفكار أنهزامية تعمق النكوص والأهتزاز وعدم التوازن في تعاطينا مع الواقع ونحن نبكي وننوح على مجد ضائع وزمن ولى لأننا كنا فيه نمارس نفس الدور الذي يمارس علينا اليوم، دور القوي المسيطر مقابل ضعف وأنكسار الأخر.
القضية برمتها تتعلق بنا نحن المسلمون بحاجتنا إلى حل مشكلاتنا المزمنة وفك التشابك بين ماضي لم ولن يعط أكثرر مما كان، وبين حاضر مشوش نعيش فيه حالة التيه والتخبط والأنهزام، فلا نملك هوية حقيقية نعتز بها ولا لدينا رؤية متكاملة نواجه بها المستقبل وتحياته، لم ننشئ بنية فكرية ومعرفية قادرة أن تنجب لنا بعد حين جيلا أو أجيالا تتولى على عاتقها تنفيذ مشروع النهضة، الحروب والجوع والفقر والجهل والأمية والأستلاب كلها تحاصرنا من جوانب حياتنا، أنظمتنا السياسية أستبدادية في وجه المواطن الضعيف لكنها مجرد رقم تافه في المعادلة السياسية الدولية، أستقلالنا السيادي كذبة وأحلامنا في التنمية والتطور تبخرت مع ألاف المليارات التي ذهبت مع الريح، وهناك من يعترض على فكرة التجديد والتنوير وبقول أن الله سيسلط علينا من لا يرحمنا.
لقد غاب الوعي السياسي والفكري والمعرفي عن العقل التدبيري الإسلامي بسبب غوصه الدائم في ماضويته العتيدة، فلا هو قادر أن يعيش الماضي ويتقلد بكل خصائصها وواقعها ويشكل قطيعة كاملة مع الحاضر، ولا هو راغب في التفريط بمنجزات الحاضر ووسائله التي توفر له المتعتة النفسية والجسدية وتساهم في تخفيف العبء المادي عنه، لإنه مأزوم بثنائية التناقض وعدم القدرة على توفير قرار حاسم للمضي في طريق واضح ومشخص، يريد جنة الله ونعيمها ويريد أيضا جنة التكنلوجيا ونعيمها، وعقله يقول أن جنة الحياة الدنيا جنة كافرة إبليسية لأنها من صنع الكفار، إنها أزمة الخيار.
مقالات اخرى للكاتب