منذ بدء الخليقة والبشر يتنافسون فيما بينهم، فمنهم محب للخير والعمل الصالح كهابيل ابن أدم، ومنهم محب لنفسه ينافس من أجلها الآخرين بوسائل شريرة ، كقابيل الذي لم يتحمل تقبل الباري عز وجل قربان أخيه المميز، فأخذه الحسد والغيظ فقتله.
القدرة على التنافس، ليست مهنة وليست حرفه، إنما هي إصرار وقوة عظيمة داخل الإنسان، تصنعها شخصية عظيمة، يحركها مبدأ ثابت لا يتزحزح، وتعظمها أعمال إبداعية، وتديمها إستراتيجية متكاملة مدروسة بعناية، ويديرها عقل مميز، وتكتمل بنوعية العمل الصالح.
قد يعجب الناس العمل السيئ من الرجل السيئ في بعض الأحيان، وهذا طبيعي جدا خاصة في السياسة، فبعض السياسيين يقودون الناس عن طريق العقل الجمعي، فتخويف الناس وحصرهم في زاوية محددة، كالطائفية مثلا يجعلهم قطيع أغنام بيد راعي متمرس.
أما العمل الصالح طريقه صعب وموحش لقلة سالكيه، وقد انتهجه الأنبياء والصالحون على مدى التاريخ، ولم يهتموا لقلة الماشين معهم وكثرة أعداءهم، كذلك السياسة طريقها الصالح صعب جدا، وأن تقف مع الناس بكل طوائفهم، وتهتم بمصالحهم، وهناك منافس يحصد آلاف القلوب الفارغة إلا من نفسها، والقاصرة المستسلمة للانا، وعبودية المتحكم باسم الطائفة أو الدين، بعيدا عن الوطن الذي يضمهم.
مثال ذلك حنق الصحابي سعد بن عبادة من الرسول الأعظم صلاته وسلامه عليه، حينما أعطى للمهاجرين أجزل قليلا من الأنصار في أحد المعارك، وكذلك مساواة الإمام علي عليه السلام، "الموالي" بالعطاء مع غيرهم من المهاجرين والأنصار، وهذه هي طبيعة الإنسان، فخيار الصلاح صعب، ويترتب عليه كبح جماح الأنا، فيتثاقل الناس عنه، ويستسهل الطريق الآخر، لكثرة أهله، ونفعه الآني.
السياسي الضليع المحترف المنجز لعمله بهدوء، القادر على الإبداع، المتأني في الحكم، السريع في الأداء، يتقدم دائما على أقرانه، بخطوات واسعة، ولا يتركهم وراءه، وقد لا توافقه الأغلبية ويتعرض للنقد السلبي والتسقيط، ويحكم عليه العقل الجمعي بالفشل أحيانا، لكن سرعان ما يعودون إليه، ويأمنون بظله، ولسان حالهم يقول في الليلة الظلماء يفتقد البدر.
السياسي الظالع يتعكز على أخبث الأساليب، لأنه أعرج المسير، أعوج الفكر، يغير اتجاهه، كلما بان خطأه وتعرى أمام الناس، كسفينة تسير بلا دفة، تغير اتجاهها كلما قصدت طريقا خاطئا، فالطائفية سلاح المهزوم والعاجز، يستخدمها الظالع وهو أضعف منها، وكما يقال ظالِعٌ يقودُ كَسِير.
التنافس بينهما مستمر، ما دامت الحياة باقية، لكن الغلبة لمن يمتلك زمام المبادرة ويعمل للجميع، والخيبة والخسران لمن يعمل لنفسه، مستغلا بساطة أغلبية الناس، فلا يدرك الظالع شأو الضليع، وإن طــــال المقام....!
مقالات اخرى للكاتب