بغداد – في الوقت الذي يلجأ أغلب ساسة العراق المحتل أمريكيا وبريطانيا إلى حلفائهم الإقليميين للأستقواء بهم في لحظات الأزمات السياسية التي يمرون بها، يقوم رئيس الجمهورية جلال الطالباني بتجهيز شنطة سفره سريعا للهرب من الضغوط التي تمارسه عليه في الأزمات السياسية وهي الطريقة التي أثببت نجاعتها في مرات سابقة عندما أخرجته بأقل الخسائر.
ووصل الطالباني الأحد الماضي الى ألمانيا للمباشرة بإجراء الفحوصات الطبية اللازمة حسب الجدول الطبي الموضوع، هربا من لحظة الحقيقة الأخيرة للأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد ومطالبات معارضي المالكي بسحب الثقة البرلمانية عنه والإطاحة بحكومته.
وقد لجأ الطالباني لحجة السفر أكثر من مرة هربا من استحقاقات هامة، فقد سافر الطالباني للعلاج أيام الجدل الذي دار في البلاد حول تنفيذ حكم الإعدام بصدام حسين عام 2006، وسافر للعلاج أيضا عند التوقيع على الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية نهاية عام 2008، وسافر للعلاج عند أزمة إقرار قانون الانتخابات في أواخر عام 2009.
وقد جاءت سفرته الحالية للعلاج في المانيا في خضم أزمة سياسية كبيرة وخطيرة ومطالبة المعارضين للمالكي بسحب الثقة عنه، حيث تزامنت سفرة العلاج "المجدولة" كما يقول البيان الصحفي لمكتب الطالباني، في محك الشروع بأجراءات سحب الثقة، حيث فسر الأمر من قبل الساعين لإسقاط المالكي على أنه "هروب من الأزمة بما يمنح المالكي المزيد من الوقت للمناورة"، فالطالباني نفسه وفي قمة اشتداد الأزمة بعد إعلانه في التاسع من حزيران الجاري عدم نيته إرسال كتاب سحب الثقة إلى البرلمان لوح بأنه سيغادر البلاد لغرض العلاج.
لكن وإن قبلت الكتل السياسية بالرحلات العلاجية للطالباني، سابقا و"سكتت عنها" فإن الأزمة الحالية التي يصفها بعض المراقبين بأنها (صراع موت أو حياة) بين المالكي ومعارضيه، دفعت البعض وخاصة أطراف أجتماع أربيل ومن ضمنهم الأكراد لإطلاق وللمرة الأولى تصريحات لاذعة ضد الطالباني مع التشكيك بقدرته على تحمل المسؤولية في الموقع الذي يشغله. لكن بالنسبة للبعض الآخر فإن سفر الطالباني في الأزمات إنما دليل على "حنكة" سياسية وقدرة على التزام طرف الحياد وعلى التخلص من ضغوط دول الجوار وحل المشاكل عبر "توظيف عامل الزمن".
ويقول القيادي في العراقية نبيل حربو "إننا كنا نتوقع أن يعطي رئيس الجمهورية جلال الطالباني الوقت لإيجاد حل للأزمة السياسية العراقية، لكن الإعلان عن سفره إلى خارج البلاد يؤكد عدم قدرته على حل المشاكل السياسية".
ويضيف حربو أن "سفره يؤشر أيضا على عدم قدرته على العمل بمنصب رئيس الجهورية خصوصا مع وجود الكثير من المشاكل داخل حزبه أو مع باقي الأحزاب العربية والكردية".
ويتابع حربو "كان من المفترض للطالباني البقاء في العراق وأن تحل الضغوط السياسية والعاهات الجسمية من المرض في سبيل حل المشكلة الحالية بدلا من الهروب من البلاد"، مؤكدا أن "هذا الأمر يقنع العراقيين بعدم إمكانيته العمل كرئيس للجمهورية وخصوصا وأن التصرفات الأخيرة له أصبحت غير مقبولة من الشعب العراقي والسياسيين".
ويقول النائب عن التحالف الكردستاني محما خليل إن "التحالف الكردستاني لا يؤيد سفر رئيس الجمهورية إلى خارج العراق في هذا الوقت، لأن وجوده ضروري ليكون له موقف في هذه الظروف التي يمر بها البلد".
ويضيف خليل أن "رئيس الجمهورية ساهر على سلامة الدستور ويجب أن يكون على مسافة واحدة من الجميع"، داعيا إياه إلى "احترام طلب حجب الثقة عن رئيس الحكومة نوري المالكي الذي وقعه النواب".
لكن كتلة الاحرار التابعة للتيار الصدري الطرف الثالث المطالب بسحب الثقة عن رئيس الحكومة نوري المالكي وجدت في الرحلة العلاجية للطالباني "هروباً" لكن ليس من المسؤولية إنما من ضغوط دول الجوار التي تؤثر في العراق العراقي. ويقول النائب عن الكتلة جواد الشهيلي إن "الرئيس جلال الطالباني يحاول الخروج من المأزق ومن المشكلة التي يواجهها في قضية سحب الثقة من خلال الإعلان عن سفره".
ويوضح الشهيلي أن "الطالباني تمارس عليه ضغوط كبيرة من دول الجوار بشأن قضية سحب الثقة من رئيس الحكومة ولذلك يحاول أن يكون حياديا"، معتبراً أن "سفره هو جزء من التخلص من هذه الضغوط".
وتختلف رؤية نواب ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي لسفر الطالباني عن رؤية أطراف اجتماع أربيل اذ يعتبرون أنه كان على مستوى عال من المسؤولية في إدارته للأزمة الحالية ويحاول تجنب الضغوط التي تمارسها أطراف أربيل عليه، ويؤكدون في الوقت نفسه أنه فعل حسنا "بعدم تعامله مع أزمة مفتعلة".
ويقول النائب عن الائتلاف محمد الصيهود إن "سفر الرئيس الطالباني ليس تهربا من المسؤولية"، ويضيف أنه "أخذ تواقيع سحب الثقة وتعامل مع الموضوع بحيادية وبحسب الوقائع على الأرض، ولهذا فإن سفره ليس تهربا منها"، مشددا على أن "الرئيس لا يستطيع أن يتعامل مع أزمات مفتعلة مثل هذه الأزمة".
ويقول النائب عن الائتلاف نفسه حسين الأسدي إن "الطالباني يحاول تخفيف الضغط عليه من قبل أطراف أربيل ويريد أن يبين لهم أنه كان حياديا في التعامل مع مطالبهم"، مشيرا الى أن "الطالباني أجل سفره من أجل هذه الأطراف لدراسة مطالبها بسحب الثقة".
ويشدد الأسدي على أن "الطالباني أوصل رسالة من خلال التعامل مع أطراف أربيل بأنه غير منحاز إلى رئيس الحكومة نوري المالكي".
من جانبهم يرى المراقبون والمحللون السياسيون للشأن العراقي أن توجهات الطالباني تعبر عن قناعة بأن "طريق الحوار وصل الى طريق مسدود"، ويحتاج الى انتظار نتائج الصراع بين أطراف اربيل ونوري المالكي، ويلفتون إلى أن الطالباني يحاول إحالة الأزمة إلى "الوقت" لحلها.
ويقول المحلل السياسي سعدي الحديثي إن "الإعلان عن سفر الطالباني في رحلة علاجية جاء بعد قناعة تامة بأن الطريق أصبح مسدودا أمام أي مسعى للحوار لحل أزمة سحب الثقة".
ويضيف الحديثي أن "الطالباني أدرك صعوبة واستحالة القيام بوساطة بين أطراف أربيل والمالكي فضلا عن تعرضه لضغوط قومية تجعله محرجا أمام التحالف الكردستاني وخسارة جزء من شعبيته إذا ما خرج عن الإجماع الكردي بشأن قضية سحب الثقة".
ويرى الحديثي أن "الرحلة العلاجية قد تستمر أسبوعين أو ثلاثة لحين خروج الصراع الدائرة بين أطراف والمالكي بنتيجة واضحة"، لافتا الى أن الطالباني سينتظر الطرف المنتصر في الصراع لكي يتواصل معه خصوصا وأن علاقاته جيدة مع الطرفين".
ويتابع الحديثي أن "الطالباني اعتاد في الأزمات على السفر لحين انجلاء الموقف بشأنها"، مؤكدا أن "صحة الطالباني ليست بتلك الخطورة حاليا لكي يقوم بسفرة علاجية في ظل تأزم الوضع العراقي".
ويواجه الطالباني ضغوطا بسبب أزمة سحب الثقة عن نوري المالكي وكان هدد السبت الماضي بالاستقالة في حال أجبر على تغيير قناعاته، وأكد أن منصبه يقتضي الحيادية وتوحيد الصف، مشددا على أنه لن يقف ضد "الأكثرية الشيعية" التي لا يمثل التيار الصدري سوى ربع عددها في البرلمان. واتهمت القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي، الطالباني بـ"التنصل" من الدستور وتسريب أسماء 180 نائباً وقعوا على سحب الثقة من رئيس الحكومة إلى ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه، بعد أن أعلن الطالباني أن رسالته بشأن سحب الثقة من المالكي لم تبلغ إلى البرلمان لعدم اكتمال النصاب بعد إقدام بعض النواب على سحب تواقيعهم.
واتفقت الكتل السياسية المعارضة للمالكي التي اجتمعت في أربيل، في العاشر من حزيران الحالي، على مواصلة تعبئة القوى النيابية لمواجهة "ظاهرة التحكم والانفراد" بإدارة الحكومة، فيما قررت توجيه رسالة توضيحية إلى رئيس الجمهورية يجري التأكيد فيها على صحة تواقيع النواب وكفاية العدد المطلوب دستورياً لسحب الثقة.
وسبق أن تعرض الطالباني خلال العام الحالي أكثر من غيره من الأعوام إلى الانتقادات بدأت باتهامات له من قبل نواب في ائتلاف دولة القانون بحماية نائبه طارق الهاشمي المطلوب بتهمة الإرهاب وصلت إلى حد مطالبة النائب عن الائتلاف حسين الأسدي بشمول الطالباني في قانون مكافحة الإرهاب لتستره على مجرم مطلوب.