يوم الجمعة الماضي، اينما تلتقي مع الناس شغلهم الشاغل يستوضحون هل دخلت القوات الامنية الوطنية الفلوجة وهزم الارهاب، كانت الوجوه تطفح بالبشر في كل مكان ويتبادلون التهاني بكسر شوكة الارهاب والمتطرفين ويبنون املاً ان تكون معركة الموصل التي بدأت على ذات المستوى من الاداء العسكري.
الانتصار العسكري الذي تحقق ليس بالهين لقبل اشهر كان الافق قاتماً حتى ظن البعض ان الاغراب عن المجتمع استوطنوا في هذا الارض الخيرة واسروا اهلها وعودتهم الى احضان الوطن الدافئة والحنينة ستكون معجزة في ظل الانقسام وضعف الامكانات والانكسار الذي وضعوا قواتنا المسلحة فيه بخسارة الموصل والفلوجة وصلاح الدين وبقية المدن. ولكن الجيش استطاع النهوض مجدداً بسرعة كبيرة واعاد الثقة بنفسه والاهم ثقة شعبنا فيه شيئاً فشيئاً مع كل معركة خاضها مع القوات الاخرى من شرطة محلية وحشد شعبي وحشد عشائري فهو يضاف لرصيده الوطني ويزيل ما لحق به قسراً من هوان وانكسار ممن كانوا قادته.
بدخول القوات الامنية الى الفلوجة نطوي الصفحة العسكرية او بالاحرى نزيحها من ترتيب الاولوية، فالضربة كسرت ظهر الارهاب ليس في الفلوجة وانما في كل مكان ببلادنا، بل اننا لا نبالغ ان قلنا انه يتعداه الى البلد الشقيق سوريا الذي يحرق صفحات داعش والنصرة نعم لان المعركة واحدة وممتدة من دون حواجز وعوائق وحدود الخرائط، فالارهارب لا دين له حقا ومطاردته في كل انحاء الارض واجب مقدس. لا يتم ذلك فقط باطلاق النار والقذائف وانما بالحلول السياسية ومعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية واحترام ارادة الشعوب والاقوام وتبني مصالحها واشراكها في صنع القرار وتطبيقه وانهاء التمييز ضد بعضها ووضعها كلها على قدم المساواة والعدالة الاجتماعية والحفاظ على ثرواتها من نهب الفاسدين وتوظيفها لخدمتها.
تواجهنا اليوم في الفلوجة والرمادي كما وغدا في نينوى كيف نحقق مصالحه مجتمعية ونعالج جروح اهلها ومصائبها التي تسبب بها ارهاب داعش؟ وايضا نحاسب الذين تلطخت ايديهم بدماء الابرياء ونفرزهم عن غيرهم كي لا نرتكب خطأ بابقاء الجرح مفتوحاً ينزف قيحاً ونبيد ادغال داعش التي زرعها في حقولنا.
ربما سيكون الاتي اكبر ويتطلب جهداً مضاعفاً وواسعاً مما بذل في الجانب العسكري فهو معركة بناء للانسان العراقي الجديد على مبادئ التسامح ونبذ العنف والكراهية والتقييد باحكام القانون واحترام حقوق الاخرين ومصالحهم والعيش السلمي المشترك والالتفات الى اعادة تأهيل المناطق المتضررة من الحرب على الارهاب، بل عموم العراق الذي بددت ثرواته على السياسات الهوجاء ونهبت دون وازع من ضمير.
الان يقع عبء ليس بالقليل على القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والحكومة في المقدمة، بل العراقيون جميعاً اقناع العالم والمؤسسات الاممية لتقديم الاعانات لشعبنا لاستكمال صفحات الانتصار الذي لهم مصلحة فيه.
هناك حاجة لتوحيد الجهود ووضع سياسات للخارج والداخل تتجنب العزف على اوتار قطعت من تقسيم شعبنا الى مجموعات واقوام ذات ولاءات فطرية. ليس هناك قوة اقناع امضى من ان يراك المخاطب قوي الحجة عندما تتحدث بلغة المجموع وتدافع عن مصالح الامة بكل اطيافها وبلا تمييز وتفرقة، حاملاً الروح الوطنية العراقية مفوتاً الفرصة على اعداء العراق ايا كانوا وباي لباس ظهروا.
المعركة المقبلة، معركة البناء ما خربه الاشرار وهي الاصعب ايضا تحتاج ان يشترك فيها الجميع ومن دون فواصل وحدود تتشابك فيها السواعد مثلما تشابكت البنادق وحققت الانتصار
مقالات اخرى للكاتب