في نظرة تاريخية لعلاقة صندوق النقد الدولي بالدول النامية
لم تتوقف الدول الاحتكارية المؤثرة في رسم سياسة صندوق النقد الدولي , من تشجيع الدول النامية على الاقتراض بدون الاهتمام بمعرفة قدرة تلك الدول على تسديد قروضها بالشكل الذي احدث تراكما ماليا كفوائد على القروض لصالح الصندوق نتيجة لعدم قدرة الدول النامية من تسديد تلك القروض حيث تصاعدت ازمة الديون الخارجية باعلان دول امريكا اللاتينية ( المكسيك , الارجنتين , البرازيل ) عجزها عن التسديد
كان مجموع الدين الخارجي للبلدان النامية لايتجاوز 50 ملياراً في عام 1969 فارتفع الى 2500 مليار عام 2001
وباعلان تلك الدول عجزها عن تسديد ديونها الخارجية فقد دخلت في متاهات وابعاد دولية بتدخل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في شؤون البلدان المدينة واجبارها على تطبيق اصلاحات في هيكل اقتصادياتها .
والحقيقة ان السياسات والاجراءات التي فرضها الصندوق على البلدان المدينة ادت الى تصاعد حجم ديونها الخارجية بالرغم من اعادة الجدولة والهيكلة الاقتصادية في نفس الوقت
ان سياسة التساهل التي ابدتها الدول الدائنة في منح القروض ادى الى افراط البلدان الفقيرة بالاستدانة مما يؤكد ان البلدان الراسمالية قد خططت بذكاء لاغراء البلدان الفقيرة وايقاعها في شباك الديون الخارجية , مما افرز اوضاعا اقتصادية واجتماعية بالغة الصعوبة حيث لم يبق اماما سوى خيارين اما التنكر لديونها مما يضعها في اطار العقوبات الدولية او اللجوء الى الجدولة وذلك خيار اصعب حيث تكون مضطرة للذهاب الى نادي باريس للموافقة على هذه الشروط بشروط اكثر قسوة ,فالجـــــدولة لاتعني التخفيف من الازمة بل تاجـــــيلها بالشكل الذي يزيد من صعوبتها .
ضمن السياسات المفروضة من قبل صندوق النقد الدولي على الدول المقترضة , حزمة من الاصلاحات اهمها خصخصة شركات القطاع العام , الغاء الدعم الحكومي للسلع التموينية الضرورية , زيادة الضرائب على السلع والخدمات , خفض الانفاق الحكومي بشكل عام , الغاء القيود المفروضة على التجارة الخارجية , الغاء نظام الرقابة على النقد الاجنبي وتطبيق سياسة السوق المفتوح بالنسبة للعملات .
تلك الحزمة من الاجراءات ستجعل وبلا ادنى شك من البلدان النامية اسواقا مفتوحة لتصريف البضائع المنتجة في العالم الراسمالي باسعار باهظة لامتصاص الارتفاع المستمر في اسعار النفط عالميا بالرغم من انخفاضه في فترات زمنية محددة .
تلك شروط ستنعكس على اقتصاديات الدول الفقيرة وتترك اثاراً وتداعيات مدمرة بمرور الزمن.
وضمن المشهد الاقتصادي العراقي بعد عام 2003 فقد سعت الحكومة العراقية لحل مشكلة الديون الخارجية القائمة على العراق والوصول الى اطار اتفاقية نادي باريس حيث اسفرت تلك المساعي عن اتفاق مبدئي بين صندوق النقد الدولي والحكومة العراقية على خصم مالايقل عن 80 بالمئة من ديون العراق البــــــــــالغة 127 مليار دولار منـــــــذ عام 2003 – 1980 وفق وثائق الصندوق اضافة الى 320 مليار دولار تعويضات حرب الكويت وعلى ثلاث مراحل تنتهي عام 2008 مقابل التزام العراق بتنفيذ شروط الصندوق باعادة هيكلة الاقتصاد العـــراقي وفق الرؤية والشروط التي ذكرت اعلاه .
انت تطبيق تلك الشروط ستعمل بالتاكيد على خلق طبقات وشرائح طفيلية غير منتجة تعمل على امتصاص القدرات المالية للدولة والمجتمع وتسعى جاهدة على دمج الاقتصاد العراقي بالراسمالية العالمية وفق منظور السوق المفتوح من خلال اعطاء دور اكبر للقطاع الخاص بادارة الملف الاقتصادي .
من الطبيعي ان الاقتصاد العراقي بظرفه الريعي لايمكن باي حال ان يستغني عن دور الدولة في فتح مجلات واسعة للتعاون بينها وبين القطاع الخاص لتحفيز الاستثمار والمشاركة الحقيقية وفي تقليل فرص الاستيراد بالمقابل خلق بدائل للانتاج السلعي الذي يغطي متطلبات السوق العراقية .
لابد من القول ان تلك التحولات سوف تفرز نتائج سلبية من خلال الاستغناء عن عدد كبير من العاملين في قطاع الدولة , وعليه يتطلب الامر وجود برامج تطويرية لتلك الشرائح واحتوائها من خلال تنمية وطنية حقيقية مع الاخذ بنظر الاعتبار خلق منظومة دعم لشريحة من هم في خط الفقر او اعلى في حالة رفع الدعم عن السلع والخدمات .
من هنا ومن اجل استقرار سياسي واقتصادي فان الحكومة مطالبة بتحديد رؤية اقتصادية متوازنة تخدم مصالح العراق وتحجم الاملاءات الخارجية.
ولنا في ذلك بحث اخر.
مقالات اخرى للكاتب