مشغول هو الشعب العربي بقضية التفرقة بين السنة والشيعة و لا يشعر اكثرهم بان هذا هو هدف السلفية الامريكية او المسيحيين الجدد و تحالفهم مع السلفيين الاسلاميين في العالم العربي والاسلامي و ثالوثهم الصهيونية العالمية
منذ ما قبل تفجير مركز التجارة العالمية في مدينة نيويورك و في الواقع منذ انقلابات القاعدة و طلبان على سياسة المسيحيين الجدد ( م ج ) رأى مفكري الصهيونية في الولايات المتحدة الامريكية (و م ا) بان يقوم حلف غير مقدس بين السلفية العربية (س ع) و (م ج) ليمتص كل نقمة الشعوب العربية عليهم و يحولها الى خلاف اسلامي اسلامي، اي سني شيعي و ستتناسى الخلافات الاساسية بين الشعب الفلسطيني والصهاينة و تدفع الاضابير الى سراديب مظلمة لتختفي بضجيج دوامة الخلاف السني الشيعي و خلاف السلفية والعلمانية العربية.
تمخض هذا الحلف مؤخرا بالتعاون بين الاخوان المسلمين في مصر و تركيا و السعودية و بقية البلدان العربية بمساعدة و مباركة امريكية، كان الامريكان يتصورون ان اسلام الشعب المصر يمكن توجيهه و سحبه ليقود الاسلامي العربي نحو الصراع على السلطة و استلامها و قد نجح الاخوان و السلفيين بمساعدة الصهيونية العالمية و( م ج) في استلام امور البلدان مثل ليبيا و تونس و اليمن و السودان وطبعا في مصر و كان مخطط ان يلتحق العراق بهذا الجمع السلفي. هم اعتقدوا بانه آن الأوان ان تستلم جماعة الاخوان مقاليد الحكم في مصر اهم و اكبر بلد عربي اسلامي لتتوسع في حكم بقية البلدان العربية الاخرى. فرفع (الغرب) الفيتو عن التيارات الاسلامية وبالأخص في مصر وهي فكرة صهيونية اهم من صرح بها هو مارتن انديك (السفير الامريكي في اسرائيل) وهو الذي ترك مكتبه مفتوحاً للموساد ليطلع على اسرار الولايات و طرد من منصبه جراء ذلك.
حصل اجتماع عام لنخبة من السياسيين الامريكان ومن كل الاتجاهات للتداول في امور احتلال العراق و نشر الاكذوبة الامريكية بنشر الديمقراطية في العالم العربي. حينها قال انديك أنه يجب ان نطبق الطريقة و الفكرة الانكليزية "فرق تسد". نشرت اجزاء من هذا اللقاء شبكة CNN في حينها ولم يعاد نشره مرة ثانية قط .
في مصر تصور الاخوان ان بإمكانهم احتواء سياسة مصر و حكمها بقالب اسلامي فقط . وهذه فكرة قاصرة فاسدة لأنهم تناسوا بان الوطنية هي الوعاء الاكبر و الاشمل لجمع الشعب والوطنية هي في توحيد كلمته. ولا يمكن حكم مصر بدون وعاء كبير شامل يجمع كل المصرين فيه وهو وعاء الوطنية، وهذا ( حكم مصر بالطريقة الاخوانية) ما اشاروا لأمريكا به اي بانهم يتمكنوا من حكم مصر لوحدهم باطار ديني صرف، الا ان من لا يعرف الشعب المصري ذو السبعة آلاف عام من التاريخ والمدنية والتطور الانساني كالشعب العراقي (مهد الحضارة البشرية). هذه شعوب تتأصل في ضمائرها النزعة الوطنية وان كانوا اسلاميين. فالمصريون كالعراقيين اثبتوا للعالم انهم دولة مدنية وإن كانوا مغرمين بالاسلام ، فتاريخ البلدان فيه من الانسانية و المدنية و التقدم الحضاري ما لا يوجد مثله في الشعوب العربية الاخرى في الجزيرة وغيرها.
و خروج الشعب المصري بهذه السرعة والحجم والتضامن و في جميع انحاء مصر حتى في القرى و الارياف هي ظاهرة جديدة غير مسبوقة في التاريخ الانساني وفي كل التاريخ العالمي. والسبب هو لانهم احسوا بالخطر وهذا متوقع من الشعوب التي لها تاريخ و حضارة و شعور انساني عميق. كان الاخوان يقنعون الامريكان او ( م ج) بانهم يتمكنوا ان يعطوا الغرب اكثر مما كان يعطيه حسني مبارك وهذا ما ذكره سياسي تركي (من بلد هو اهم المساهمين في الحملة السلفية الجديدة) ذكره للاستاذ الكبير محمد حسنين هيكل. ان الامريكان يعتقدون بان الدين هو المحرك الرئيسي في مصر و ان الاخوان وعدوا الامريكان بان الشعب المصري شعب مسلم ملتزم بالدين وان الوطنية هي صفة آنية لمرحلة انتهت بانتهاء فترة عبد الناصر. طبعا هذا الاعتقاد كان سائدا كذلك في كثير من البلدان الغربية التي ترقص على اي نغم امريكي.
لكن خروج الشعب المصري بهذا الزخم و الكثرة و الاصرار اثبت للعالم بان الشعب المصري شعب حضارة ومدنية وتاريخ و انما الاسلام هو دين الشعب وليس الاطار الذي يحتوي كل الشعب المصري.
نقل الاستاذ هيكل عن المشير طنطاوي أن حديثاً دار بينه وبين السفيرة الامريكية في مصر، حين كان يشتكي من قلة الامدادات للمعدات والمواد الاحتياطية للسلاح المصري وذلك بعد ان تعمدت الادارة الامريكية وبالتخويف وتنصح بعدم التحرش بالرئيس المصري محمد مرسي. قال لها المشير طنطاوي أن اعذارها غير المرضية، وانهم سيعتمدون على بعض الحكومات العربية الغنية في المساعدات المالية، فكان جواب السفيرة الامريكية "يجب ان تعرف بان مفاتيح الخليج عندنا".
إن تخبط السياسة الامريكية واضح هنا و يكشف عن تأثير داخلي و خارجي يضر بمصالح الشعب الامريكي وبمصالح الشعوب الاوربية مثلما يضر بمصالح الشعوب العربية، تقوم به مؤسسات لها باع طويل في استعباد الشعوب و تقودهم الصهيونية العالمية مع توابع لها من المتخلفين الاسلاميين مثل الاخوان في مصر وغيرهم في البلدان العربية و السلفية الوهابية ذات التفكير الظلامي منقطع النظير في التخلف في هذا العصر المتسارع بالتقدم و الحضارة العالمية الانسانية.
لكن صحوة الضمير وتنامي وعي الشعوب العربية اظهر انه اقوى وافهم بما يجري و ما يعد له من مؤامرات متعددة فضاع (عليهم رباطها وقادتها).
أما وزير الخارجية البريطاني ويليم هيغ فقد غير فكره هذه المرة إذ كف عن دعوته بتسليح المعارضة السورية. وهيغ هذا من السياسيين البريطانيين الفاشلين قبل توليه الخارجية البريطانية، و اتذكره عندما اصبح زعيما لحزب المحافظين لمدة سنة واحدة وفشله كقائد للحزب المعارض زمن توني بلير و كيف كانت تكتب عنه الصحف البريطانية وعن فشله و ضحالة قدرته القيادية وسخافة تفكيره .
اخذت تنشر الاسرار التي كانت تطبخ في مطابخ السياسة السلفية عن الاتفاقات التي قامت بين هؤلاء و الاخوان المصريين.
من العجب ان الغرب لا ينتبه بل يتناسي عن قصد ان الارهاب باكمله من المكون السني، وأن معظم التنظيمات الإرهابية هي فروع من حزب الأخوان المسلمين. طبعاً لا اقول كل السنة ارهابيين معاذ الله، بل هذه حقيقة يجب ان توضح لنتعرف على مصدر الارهاب في العالم كله فكيف ما وليت نظرك تسمع و ترى تفجيرات وقتل و اعمال ارهابية تخدش كل ضمائر العالم. لان السلفية الوهابية قد صادرت ارادة الشعوب التي تنتمي الى المذهب السني وليس لان الارهاب متأصل في المذهب السني. فلو بحثت بعمق فيما يدور في العالم من ارهاب لن تجد اي ارهابي ينتمي للمكون الشيعي، وليس لان كل الشيعة انبياء و بدون خطيئة. بل لأنهم يتبعون مبادئ لا تسمح بقتل الناس على الهوية وهذه من مبادئ اوليائهم و ائمتهم. ان السلفية العربية و تعاونها مع السلفية الامريكية او ما يسمون الان بالمسيحين الجديد (م ج) لهم اهداف استعمارية صرف و لكن بطرق غير كلاسيكية و تعتمد على مساعدة بعض سياسي الغرب لسيطرة الاغبياء المغفلين من اهل البلد التي تصدر الطاقة الى العالم و تقع اليوم اكثرها في بلدان تسيطر عليها السلفية العربية والوهابية ذو الافكار الهدامة و ذو الفكر الظلامي الذي يعادي الحضارة والتقدم والعلوم وحقوق الانسان وبالأخص حقوق المرأة.
بعد الانتفاضة الثانية للشعب المصري والتي استرجع بها حريته وكرامته الانسانية تراجعت المواقف كما وتراجعت بدون خجل تصريحاتهم عن المنطقة. كان الاعتراض قبل اسبوعين على فكرة تنحي مرسي و السلفية عن السلطة في مصر. وان الاخوان انتخبوا ديمقراطيا و(انهم الاكثرية) ثم تغيرت اللهجة الى ان الاخوان (يظنون) او يعتقدون بأنهم الاكثرية.
لاحظ بداية التشكيك فيما يدعيه الاخوان.
كتب الاستاذ عباس العزاوي مقالة رائعة بعنوان (نريد عراقا مصريا)، تساءل فيها عما يجب ان يقوم الشعب العراقي بمثل ما قام به الشعب المصري. و انا اعتقد (و ان كان مجرد رأي منفرد) ربما نحتاج الى ثورة مثل ما حدث في مصر مؤخرا، لان وضع العراق اليوم في ( حالة اللا حل ). فالقوى السياسية في تراخ لذيذ لا يرغبون باي تغيير، و لن يحدث اي تغيير اذا كان وضع مجلس النواب على هذا التشكيل كالمياه الاسنة فمن اين نتوقع التغير، لذلك لا باس لو خرج الشعب العراقي كما خرج الشعب المصري ليطالب بحقه المسلوب من قبل نواب انتخبهم و من قبل سياسيين تربعوا على السلطة و لن يتنازلوا عنها برضاهم. يحتاج الشعب العراقي الى ثورة حقيقية ترد له ما سلبه سياسيوهم. و الثورات تحدث في العالم و في العراق في شهر تموز عادة. الثورة الفرنسية و المصرية الاولى و الثانية و الثورة الامريكية على الاستعمار البريطاني و طبعا ثورة تموز المجيدة واليوم الكندي في الاول من تموز و استقلال جزر البهامس بعد ٢٥٠ سنة الاحتلال وغيرها من الثورات.
في اجمل تعليق للشاعر الكبير احمد فؤاد نجم عن الثورة المصرية الثانية، قال، ان السيسي دا اصله فلاح، لان الفلاح المصري اول من تزوج الارض و اخذ يربيها و يدللها و يزرعها. و هذا هو شأن الفلاح العراقي منذ آلاف السنين. فهذان الشعبان لهما في تاريخ العالم ما لم يسبقهم أي شعب في الإنسانية والمدنية والاخلاق الاجتماعية. كما يقول الاستاذ هيكل. ان مصر استيقظت لاسترداد ما سرقه الاخوان. كما قال بان الاخوان لديهم كراهية للدولة. و انهم يحاولون ان يكسروا مجرى التاريخ و لن يتمكنوا من ذلك. و كشف هيكل عن الاسباب التي دعت الجيش المصري ليتصرف و بهذه السرعة والفعالية. كان مرسي يخطط في يوم الخميس (الرابع من تموز) ليذيع قوانين جديدة لمصر، قانون خاص بتنظيم الاعلام حسب الشريعة الاسلامية ليشمل الصحف و كل محطات التلفزة وغيرها، فرض و تثبيت قانون القضاء كما سنه الاخوان ، قانون تنظيم الشرطة كما يلائم سياسة الاخوان، كانت ستصدر قائمة مكونة من واحد و عشرين اسم ليتم اعتقالهم حالا من السياسيين المصرين غير الموالين للاخوان، وكما قال هيكل ان ما كان مقبلا عليه البلد هو هول فضيع من القيود والتراجع الحضري و سيطرة الاخوان على رقاب الناس.
ثم هناك تعليق رائع للاستاذ يسري فوده يقول: من الذي يركب رأسه و يتصور انه شمشون الجبار على حساب الوطن، هل هو مرسي او ربما هناك اصابع خفية من واره؟
لا يمكن للشعوب الا ان تنتصر، هذا هو القدر، و ليس مهماً ان تكون دائما و في كل الاوقات، بل ان تنتصر في الاوقات المهمة الحرجة من تاريخها.
مقالات اخرى للكاتب