مع شديد الاسف تحسب اليوم في الاوساط السياسية و الاعلامية و حتى الثقافية ، و بالاخص في الاوساط اليسارية ، تحسب مناكدات و اختلافات و حتى اختلاسات القوى السياسية العراقية و كل الاحزاب ، تحسب على الشعب العراقي و كانه شعب يصعب حكمه و ادارته . و اخذنا نسمع هذه الايام و من جديد ،مصطلحات اسستها الصهيونية العالمية بتخطيط و عن قناعة الراسمالية الامريكية ربيبه الصهيونية العالمية ، و بتعاونها .
نشرت و وزعت باسهاب مقالة للسيد غسان شربل تحت عنوان " لا العراق ولا سورية " يتكلم الاستاذ شربل عن الشعوب بتعميم عجيب و غريب ، و التعميم اجحاف باطل اذا لم يستند الى احصاءات شاملة حقيقية لكل تنوعات تلك الشعوب ، و الا فكل رأي يبقى محصور بصاحبه . و كل تعميم لتلك الاراء ضرب من التجني على الشعوب ، فاي تجاوز يستحق البحث والنظر فيه اذا كان يتهم الشعوب بالشرذمة و التشرد !.
فهل الصين شعب واحد ؟ غير متنوع اثنيا و دينيا و لغويا و حتى مناطقيا ، ام ان الشعب الامريكي شعب من عنصر واحد و ذو ثقافة و لغة و ديانة واحدة ؟. هذا المنطق مع الاسف هو منطق الصهيونية العالمية لتفريق الشعوب و تمزيق وحدتها ، الشعار الذي لا نعرف كيف يمهد له من تبنى الاممية العالمية فيصر يفرق بين الشعوب و الاقوام . وهل الشعب الروسي الحالي هو شعب واحد ، ام متمزق بفضل اكذوبة و اسطوانة سايس بيكو ؟.
و هل الهند شعب واحد و مازال يعاني من " قوانة " سايس بيكو المشروخة ؟ . ما هذا المنطق ( الاعوج ) المردود على قائليه و على من يتعقد بصحته فيتبجح و يعتصم بنشره . ماذا كان " شعب " العراق سابقا ، هل كانوا قطاع طرق ام شراذم من بدو تتنقل و تغزوا شعوب اخرى ؟ اين سيذهب هؤلاء السادة بتاريخ العراق منذ اقدم العصور .
ثم لماذا يحملون الشعب العراقي ما يقوم به ساسته ؟ نعترف كلنا ان ساسة العراق هم الشراذم و ليس الشعب العراقي . فلا تحملوا اخطاء و سرقات و التلاعبات باموال الدولة التي يقوم بها ساسته منذ التغير ، لا تحملوها على انها اعمال بشر لا يملكون مواصفات الشعوب .
و الهدف في رأي المتواضع هو لتقسيم الشعوب و الاوطان لتتمكن الصهيونية العالمية من السيطرة على تلك الشعوب . الى يؤدي هذا الادعاء الباطل الى عدم الاعتراف باحقية الشعب الفلسطيني بوطنه ، و المطالبة منه بالانضمام الى اسرائيل . و هل اليهود في كل العالم هم شعب ام ديانة ؟ كيف تفسرون يا سادتي إذا يهود افريقيا و يهود الهند و يهود اوربا من البيض و السمر و السود ؟. و لماذا تحتمون وراء الأممية العالمية ، فتقفون مع شعب اسرائيل عندما حول البلد الى انه ، بلد الشعب اليهودي ؟
بينما نسمع ادعاءات لتسقيط الشعوب العربية و شعوب العالم الثالث و جعلها شعوب يصعب ادارتها و حكمها ، و من ثم تفتيتها و تقسيمها لسهولة السيطرة عليها و على مقدراتها ، هذه القناعات و الافكار باتت يتداولها مثقفون عراقيون و عرب لا شك على اصالة و عمق وطنيتهم و سعة اطلاعهم . كما " هم " يعرفون جيدا حجم التاثيرات الخارجية لتهبيط و تفتيت العزائم . لسنا شعوب منزلة من السماء او شعوب مختارة او مفضلة عند الله . لكننا كغيرنا من الشعوب لنا تطلعاتنا لنعيش و اهلنا و اطفالنا في سلام و في نوع من البحبوحة التي تحتويها ارضنا و ثقافاتنا و تراثنا .
و بقدر ما يحمل هذا الوصف من تعسف و جور على اي شعب كما يحمل معه اصرار قاسي على الشعور بالفشل و تهبيط لاي عزيمة ، يحمل معه كذلك تجني على شعوب فرضت عليها انظمة من خارج ارادتها و لسنوات طويلة و منع عن هذه الشعوب اي مجال للعلم و للتقدم و الاطلاع ، او التثقيف او التعليم على بساطته ، ولم تترك له اي ارادة حرة للتطور الى المستقبل ، الا و قلبت على راسها بحجة انها مسيرة غير اكيدة و سائرة نحو للفشل الا اذا وافق على مناهجها البنك الدولي و فطاحلة الاقتصاد العالمي ، هم نفس ذلكم الفطاحلة الذين فشلوا و خربوا الاقتصاد العالمي سنة ٢٠٠٨
و الذين يحاربون الاقتصاد الصيني و الروسي و اليوم الاقتصاد الفنزولي . لكنه فات على الاساتذة المخلصين ان من فرض صدام و غيره من الطغاة على الشعوب ، بعد ان تبنوهم و دربوهم و سلطوهم . في وقت كانت كل الامور مهيئة لتقدم العراق و شعبه ، ادخل العراق بقيادة صدام في متاهات من الحجم الكبير ، كالحرب مع ايران و دخول الكويت ومشاريعه للحصول على اسلحة الدمار الشامل و السلاح الكيماوي الذي استعمله على شعبه و المقابر الجماعية و الانفال من قبل حرب ايران . فحرق صدام كل ما كان للعراق من خيرات و وئد كل الامال للتقدم الى الامام كرغبة شعب كاي من شعوب العام . لم تكن هذه من رغبات او من ارادة او تطلعات الشعب العراقي . و من غير الانصاف تحميل الشعب العراقي كل اخطاء صدام و البعث العفن و اتهامهم بعدم القدرة على حكمهم كشعب . فمنذ تطور و اتساع القدرة المالية و الشرائية للعراق و صدام و حزبه العفن جعلوا الشعب العراقي يركض وراء توزيع البيض و البطاطة و الدجاج الصيني و نقص في المواد الغذائية الاساسية يوم كان الدينار ثلاثة و نصف دولارات امريكية . لا يوجد شعب مغرم بكل هذا الفقر و الحسرة و الحرمان ، حين يضطر ليعمل استاذ الجامعة سائق تاكسي بسيارته ليعيل عائلته بقدر نذير من الرضى و الاكتفاء ، و لم يكن هذا كنوع من الترف او من البطر لشعب يصعب ادارته او حكمه . يوم منع العراقيون حتى من ممارسة الاستماع الى اجهزة راد يوات الترانزستر في السبعينات . الم يهاجر اكثر من مليونا انسان عراقي بعد تسلط البعث في السبعينات و ثم بعد وأد الانتفاضة الشعبانية ، و بعد اتساع الحصار الظالم على الشعب ، الم توافق امريكا على قانون النفط مقابل الغذاء الامر الذي مكن صدام من تمويل ماكنته الحربية مصحوبة ببناء القصور الرئاسية ؟. هل كانت امريكا غافلة عن هذه التجاوزات غير الانسانية ، لتعود اليوم تتهم العراقيين بعدم القدرة على حكمهم .
ربما يمكن القول ان " سياسي " العراق الحاليين غير قابلون للاتفاق او للتوافق او للعمل باخلاص من اجل الشعب ، لكن السؤال يعود على ساءله ، من اتي بهؤلاء يا ترى ؟ .
و هل من المعقول ان تدمر امريكا كل الهياكل المدنية و الصناعي و المواصلات و الطرق و الجسور و المعامل لكي تحرر الشعب العراقي ؟ و هل اعادت امريكا بناء ما خربته بحجة تحرير العراق ؟
لم يمر على اي شعب مثلما مر على الشعب العراقي منذ انقلاب البعث الفاشي في شباط الاسود ٦٣ . و اغتيال قائد اقدس ثورة مدنية عرفها العالم العربي كالزعيم العراقي الخالد ابن الشعب البار عبد الكريم قاسم .يوم اخذ " نفس هذا الشعب " يسير بخطا واثقة للتطور و الانشاء و التقدم ، و يوم بات العراق في طريقه لينتقل من مواصفات العالم الثالث الى مصاف دول العالم الثاني . الم يتعمد البعث تهجير العلماء و الفنيين و المتعلمين من الاطباء و المهندسين و المثقفين ؟ . و من غير الممكن تذكير الناس بكل الماسي التي حصلت و تحملها هذا الشعب . مثل القتل بالجملة و الحبس و قطار الموت و ساكني نكرة السلمان و الحرس القومي الى المقابر الجماعية و الانفال و حلبجة و من ثم تخريب العراق بسبب احتلال الكويت و قمع الانتفاضة الشعبانية التي دعت اليها " اصلا " اليها امريكا ثم تخلت عنها . و الحصار الذي استمر حتى اعادة تخريب العراق بحجة تطهيره من فلول البعث الصدامي . كما و من غير الانصاف تناسي هذه الويلات و الفقر و تاثيرها النفسي على اي شعب مهما كانت مقومات تلاحمه القومية و الثقافية ، فللويلات تاثيراتها النفسية التي تولد تخريب و تهديم للهيكل الاجتماعي برمته .و ما انتشار الامراض النفسية و الاجتماعية الا دليل على تاثر اعضاء المجتمع بها ، بارادة او بدون ارادة .
و احسن دليل على رفض نظرية انعدام صفة " شعب " على الشعب العراقي هو التلاحم في صفوف الحشد الشعبي مع كل التجاوز على تضحياته فمازال يساهم غير منتبه لاقوال من يريد تقسيم العراق و تفكيك المجتمع العراقي . لا يوجد شعب في العالم ليس له اخطاء ، فالعالم يتعلم من اخطائه و هكذا هي تجارب الحضارات و الشعوب و الامم .
و اذا اردنا ان نشير الى التقصير فهي تلك الصناعة المشوهة من السياسيين الذين جاءت بهم امريكا او نصبتهم كمحاولة لاعادة بناء العراق ، كما تدعي !.
الم يصر العراقيون لتاسيس دستور لهم ؟ الم يخرجوا في احلك الظروف الامنية لينتخبوا من يمثلهم لخمس دورات ، و صحيح كذلك ان من انتخبهم الشعب لم يكونوا من المخلصين . لكن هذا ليس خطأ تعمده الشعب ليتحمل ازره .
و نقطة مهمة اخيرة . كم من بلدان الجوار يتدخل في الشأن العراقي ؟ منذ ما قبل التغير و بعده .
ختاما . نحن ، الشعب العراقي ، نعرف حق المعرفة باننا شعب ذو ثقافة و تاريخ و تراث ولغة و ارض . و هذه هي مواصفات الشعوب و الاوطان . و لن تهمنا تقولات من يدعي العلم و الثقافة و المعرفة فيتبجح و يعتمد على الاقوال بدون اطلاع معرفي حقيقي و بدون احصاء علمي ليثبت صحة ادعائه .
لكن السيد غسان شربل ما يحب ان يكون و بان يوصف ما يشاء من الاوصاف " الثقافية " او المعرفية . و ان يعتلي ما يشاء من المناصب و المواقع ، الا انه اخطأ عندما جرد الشعب العراقي من الانسكلوبيديا و مواصفات الشعوب ، و عليه ان يطالع الانسكلوبيديا العالمية الرصينة و مواصفاتها للشعوب . بعدها ليتبختر متى يشاء و حيثما يشاء .
مقالات اخرى للكاتب