ليلة البارحة و في طريق العودة من بيت أحد الأصدقاء وقع حادث مؤسف. كان الطريق شبه مظلم ويخترق غابة موحشة. بدا لي من بعيد أنّ حادث دهس قد وقع للتوّ. خفّفت السرعة واقتربت من المكان برويّة. كان حادث دهس كما توقّعت. لقد دهس أحدهم قطّةً كانت تعبر الطريق مسرعة.
من قوانين السير هنا عندما يقع أمامك حادث يجب عليك الوقوف وتقديم الإغاثة حتى وصول سيّارة الإسعاف. للأسف، مَن وصل أولاً للحادث بدا عاجزاً عن تقديم المساعدة. المسكين كان متأثّراً يبكي لمنظر القطة وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة. زوجته كانت تبكي ايضاً. السائق الذي قام بالدهس كان مرتبكاً جداً ولا يدري مايفعل. عند القطّة المهروسة تقف فتاة جميلة حاولت المساعدة لكنها لم تستطع، فدسّت رأسها في صدر حبيبها الذي بدا متأثّراً هو الآخر.
ما العمل؟!.. أطفأت محرك السيّارة ولبست السترة الصفراء الواجب ارتداءها عند الإسعاف، ثم ترجّلت للقيام بالواجب. اقتربت من موقع الحادث وطلبت من المتجمهرين فسح الطريق للمساعدة. غير أنّ القطة كانت قد قضت قبل وصولي و انتهى الأمر. في الأثناء وصلت سيّارة الإسعاف وقام المسعفون بواجبهم. أبعدوا الناس وأمروا الجميع بمغادرة المكان، ثم حملوا الجثّة وطاروا بها الى المستشفى.
عندما عدت الى البيت لم أنم حتى الصباح ـ والله لم أنم ـ ليس حزناً على القطة، فالقطط كنّا نتسلّى بتعذيبها أيّام الطفولة في العراق، ولا تأثّراً بمنظر الدم الذي اصطبغت به الجادّة، فعيني تشبّعت باللون الأحمر هناك، لكنّ صورة المتجمهرين عند الحادث أبت أن تفارقني. كانوا صادقين في حزنهم على القطّة فالدموع لا تكذب عادةً.
يالله! من أين يأتي هؤلاء الناس بكلّ هذه الشفقة والرحمة؟! أين تعلّموا هذا الرفق والتراحم و جلّهم لا ربّ له ولا دين؟! كيف لشعبٍ لا يدين ثلثاه بدينٍ سماويّ أن يبكي على قطةٍ قضت في حادثٍ عرضيّ، بينما يتراقص "المؤمنون" لقتل أطفالنا تحت صيحات الله أكبر؟!
كيف كيف ؟؟؟