كانت و لا زالت روسيا الحليف الاوحد لدول و شعوب الشرق الأوسط المناهضة للسياسات والمشاريع (الامريكية – الاسرائيلية – الاوربية) فيها ، وتقف القوة السياسية والعسكرية العالمية الروسية الى جانب الدول الشرق اوسطية لأسباب تتلخص بـ تنافس قطبي عالمي ومصالح اقتصادية ، خصوصا وان الدول الحليفة لها غنية بثرواتها الطبيعية واولها النفط (الثروة الأغلى في العالم) . لذا فأن قطب القوة العالمية هذا يبحث عن شرق اوسط امن ومستقر لتبقى مصالحه بأمان من أي مخطط عاصف ، وهذا ما لا يروق بالتأكيد للقطب الأخر (امريكا وحلفائها) الساعي لتحقيق مشاريع تخدم الوليد الاسرائيلي المدلل.فبعد تبدد حلم الشرق الاوسط الجديد الذي وعدت به امريكا و حليفتها العظمى بريطانيا ابان احتلالهما للعراق في عام 2003 م بما تشهدهُ المنطقة اليوم من صراعات وازمات متلاحقة لم تعد فيها خفيةً تلك الابعاد التي ظهر بها تنظيم داعش في سوريا والعراق، ولم تكن ايضا مجهولةً تلك الماكنة الاعلامية التي رافقته منذ نشأته وحتى اليوم ، لكن تسارع الاحداث كشف واوقف المخططات الغربية التي تحاك بالمنطقة ولا سيما بعد دخول القطب المنافس و الحليف روسيا على خط الازمة في سوريا ومشاركته بضرب معاقل داعش هناك بقوة واعلانه تشكيل تحالف رباعي يضمه الى جانب ايران والعراق وسوريا، وكان الامر يشكل تحديا من نوع اخر لموسكو مع واشنطن وحلفائها .
هذه التطورات اثرت سلبا على معنويات العصابات الارهابية لداعش فالمعلومات المتوفرة هي هروب اكثر من الف عنصر من مختلف التنظيمات التي تقاتل في الشام و تراجعا ميدانيا على الارض .
ويقيناً عندما تدخل روسيا كـلاعب اساسي في المنطقة ما بعد توقيع الاتفاق النووي مع ايران وما يتطلبه من تغييرات في بعض المواقف والتوازنات ،فهذا يشير الى ان قضية التوازن الدولي في المنطقة (الشرق اوسطية) تسير بالاتجاه الصحيح بوجد طرف لا يقبل لأمريكا و اسرائيل ان تنفرد بوجودها و تهدد مصالحه الاقتصادية فيها لذا بدأ يتدخل وبقوة.
وقد يكون الوضع مختلفا في العراق في جزئياته عن سوريا لكنه متشابهٌ في المجمل العام خصوصا وان الهروب الجماعي لعصابات داعش من شمال صلاح الدين بات واضحا للعيان بعد محاصرة مناطق (الصينية والشركاط) من قبل الحشد الشعبي والقوات الامنية ما تسبب بقلق شديد لقيادات داعش بالانسحاب من المناطق المسيطر عليها. وتؤكد قيادات الحشد الشعبي على ان التنظيم الارهابي (داعش) بدأ من الاندفاع الى الدفاع ومن الهجوم الى التراجع لأنه لا يستطيع الصمود طويلا امام تقدم واندفاع ابناء الحشد الشعبي والقوات الامنية و هذا ما اكدته الانتصارات في جرف الصخر وديالى و صلاح الدين وبيجي، فـاعضاء ذلك التنظيم الارهابي (داعش) ومن تجارب المعارك السابقة يفضلون الهروب او الموت بدلا من الوقوع اسرى بيد ابناء الحشد الشعبي و القوات الامنية .
أّذن دخول منافس قطبي مثل روسيا على خط الازمة في الشرق الاوسط و اعلانه لتحالف رباعي سيزيد من قلق وتهديد الوليد المدلل لأمريكا (اسرائيل) والحالم بدولة (البحر الى النهر) وهذا ما سيكون عاملا ايجابيا لدول المنطقة ووسيلة ضغط على واشنطن لتغيير سياساتها المستقبلية واثبات حسن نياتها ووعدها بـ(الشرق الأوسط الجديد). خصوصا وان روسيا لا تنوي المواجهة مع امريكا عسكريا في المنطقة.
فالمتتبع للسياسة الروسية فى منطقة الشرق الأوسط يجد أن التحركات الروسية الأخيرة ما هى إلا خطوات تنفيذية لتوجهات حَكمت السياسة الروسية منذ إنهيار الاتحاد السوفيتى فى مطلع التسعينات من القرن الماضى، وما أن بدأت روسيا تستعيد عافيتها ونجح بوتين فى إعادة ترتيب البيت الروسى من الداخل خلال فترة رئاسته الأولى حتى بدء فى بلورة التوجهات العامة لسياسته الخارجية لا سيما تجاه منطقة الشرق الأوسط الحيوية و الاقتصادية لها ، وروسيا لا تبحث عن هيمنة سياسية وليس ضمن أولوياتها أى مواجهات حادة مع الولايات المتحدة خاصة في الوقت الحاضر او المستقبل القريب بمنطقة أصبحت تحت النفوذ الأمريكى المباشر سياسيا وعسكريا لكنها تبحث عن ديمومة واستمرار مصالحها الاقتصادية مع حلفائها التي لا تقبل او ترضى بالاستغناء عنهم تحت اي عهد او حكم او نظام ..
مقالات اخرى للكاتب