هناك الكثير من القضايا البعيدة عن القانون والدين و المدنية باتت سائدة في المجتمع اليوم بل إليها يلجأ الناس لحل مشاكلهم و نزاعاتهم بالطرق الحضارية مهما كان حجم تلك المشكلة وعدد ضحاياها من القتلى او الجرحى والسببُ في ذلك غياب الأطر التي توضح صورة القانون الذي يحكم الدولة بعد العام 2003م وقد انشغلت حكومات مابعد التغيير بالصراعات السياسية والحزبية فيما بينها حتى ألقت بظلال ذلك على مختلف المجالات بالسلب فنمت و عادت تقاليد كانت قد غادرت المجتمع و البلاد منذ خمسينيات وستينيات و سبعينيات القرن الماضي ومنها القبلية و العشائرية التي تحكم بما ينفعها بالحق او الباطل و تؤثر على القانون والدين و تزيحهُ عن طريقها في حال تعارض ايٍ منهما معها .. سأروي لكم أيها القراء قصتين قصيرتين جدا تصوران الواقع الاجتماعي الذي نعيشه ونحن في القرن الحادي والعشرين ..
القصة 1..
– قبل مدة و بعد انتهاء دوامي في بغداد ركبت بـ(كوستر) من الجادرية الى الكرادة داخل جلست في المقدمة قرب السائق الذي جاءه اتصال أصبح على أثره يتكلم بحرارة و عصبية عالية مع المتصل به من جملة ما قاله :
– اكتله (اقتله) و افصله بأربعين مليوناً فصل الميت عد العشاير أربعين مليون عندي كاع (قطعة ارض) موصلة ثمانين مليون ابيعه انطي منه اربعين فصل و الاربعين الباقية اشتري بيه كاع بغير مكان ارخص ..
القصة 2..
– احدى زميلاتي في الكلية قالت لي ذات يوم لم اتمكن من اقناع عائلتي بعد اكمالي مرحلة الاعدادية برغبتي و قرب الإعلام الى نفسي الا بشق الأنفس . و جاء قبولي كما أريد و أحب قسم العلاقات العامة في كلية الإعلام فقالت لي و الدتي وبعض افراد عائلتي بغضب وضجر كبيرين :
شو استري علينه شتكول الناس أداوم ويه الولد و علاقات عامة .
فإضطررت لتغيير قسمي من العلاقات العامة الى الصحافة .
وحقا اجتهدت زميلتي و تفوقت في مرحلة البكالوريوس و نجحت في الوصول لمرحلة الدراسة العليا .. هذا الواقع و الحال ينعكس على طبقات واسعة من المجتمع وفي مجالات مختلفة ويصور الحالة المتأخرة التي نعيشها . فلا شك ان احد اهم اسباب تدني مستوى المجتمع و انحداره هي العشائر و أحكامها الباطلة و فصولها الزائفة في الكثير من المشكلات القائمة على المجاملة و الوجاهة بعيداً عن الله و الدين و هي تحاربُ المرأة وتمتهنها بما لا يقابل مكانتها و جهدها بالحياة و قد وضعت الجنة تحت أقدامها . وصارت (سنية) العشائر وقوانينها الخاصة المعمول بها في المجتمعات ألان الدفاع عن السراق و المجرمين . فلا يحق لك ان تقتل سارقاً في بيتك اذا داهمته و واجهك بالسلاح لأن العرف العشائري قد وضع حقوقاً لذلك السارق فحكمه حكم (الميت) وعليك ان تفصلهُ بأربعين مليون دينار ما دام قد وجدَّ مقتولاً في بيتك متجاهلاً و متجاوزاً الحكم القرآني و الأحاديث النبوية الشريفة التي توجب الدفاع عن الأهل و المال و العرض .
(فمن قتل دون ماله و اهله و عرضه فهو شهيد ) .
واليوم يحاول بعض الساسة و لمصالح انتخابية و خاصة سن قانون جديد للعشائر والقبائل العراقية بعد ان الغي القانون القديم بمنتصف القرن الماضي (الخمسينيات) لتعارضه مع قوانين الدولة المدنية عندما حاول العراق ان ينهض نهضة جادة وحقيقية باتجاه الرقي والازدهار العالمي قبل مجيء حزب البعث و بعده الأحزاب التي تحكمنا اليوم وقد عدنا بظلهم الى الوراء كثيراً .. عليك أن تصور عزيزي القارئ ماذا سيحل في المجتمع إذا أصبح للعشائر قانوناً خاصاً بها .. كم سيصبح عدد العشائر والشيوخ ؟ وماهي القوانين الجديدة والسنيات التي ستفرضها تلك المشايخ على المجتمع؟..
فعلى ما تبقى من قانون الدولة المدنية العراقية السلام
مقالات اخرى للكاتب