تستوعب المكتبة العربية في أيامنا هذه الكثير من الكتب ذات الاهمية الخاصة من خلال ما ضمته بين دفتيها من المعلومات والحقائق التي حكمت وتحكم الحياة المعاصرة. وكان لكتابها الأفاضل الحق وكل الحق في تبوء المكانة التي يستحقون في ذاكرة الأجيال التالية.

وآخر ما حالفني الحظ من قراءته هو ما دونه الاستاذ ابراهيم الولي – السفير العراقي السابق، من الافكار والمناقشات لأحداث جرت خلال مائة سنة ضمها كتابه الموسوم (اسقاطات السياسة الدولية على الشرق الاوسط خلال مائة سنة 1916-2014) الذي تسلمته هدية كريمة من المؤلف.

سأعرج على ما يميز ما ورد في الكتاب، ولكن قبلها يجدر أن نستعرض ما ضمته فصوله، التي أرجو أن أكون قادراً في عرضها تهيباً، ولعلي أستطيع مجاراة التركيز الذي دونت فيه المواضيع والاحداث. فقد تناول الفصل الاول أهم التطورات السياسية في أوربا خلال القرون الوسطى والتي شكلت أرضية للعلاقات الدولية في عشرينات القرن الماضي وبالتوازي مع ما كان من تطورات أوضاع العرب والمسلمين.

وتوالت فصول الكتاب في بحث ما أثر في مجرى الاحداث وما دار من صراعات على النفوذ ليؤدي الى حربين عالميتين أبادت ملايين البشر، رغم ما تم التوصل اليه من تفاهمات واتفاقيات ومعاهدات، وخاصة تلك التي تمخضت عنها معاهدات فرساي التي سرعان ما قادت العالم الى حرب عالمية ثانــــــــية وخلال أقل من من العشرين عاماً، تخللتها محاولة لقيام مجتمع دولي هو (عصبة الامم) التي ولدت مشلولة بعد أن رفض الرئيس الامريكي اقرارها.

كذلك تناولت فصول الكتاب التطورات والاحداث من نشوء المحاور الدولية الكبرى ومنها عدم الانحياز الى الحروب التي دارت وكان معظمها بلا معنى ولم يحقق هدفاً لأحد عدا انها كانت تحفر سواقياً لتجري فيها الدماء الغزيرة.

وبتناول موضوع الربيع العربي فقد نبه الكاتب بقوة بلدان هذا الربيع قائلاً (لست اشك بهذه المناسبة في أن بلدان الربيع العربي وهي تمارس التغيير تكون نظمها السياسية الوليدة هشة بأكثر مما يجعلها عرضة لتدخل خارجي فأما هذا فانه سيجر حركة التغيير الى مهاوي هي ما يهدف المتدخل اليه).

وتطرق الكتاب الى ما وقع للشرق الاوسط وهو في بؤرة الجغرافية والفصل المباشر للجيوبوليتك ومصالح الأطراف الدولية المتقاطعة والتي سوف لا تتوقف تأثيراتها، حيث اننا نقع في طريق الجغرافية. كذلك وهو الأمرّ والأدهى هو أن تحت أرضنا نصف مخزون العالم من الطاقة، ونحن مطوقون بالقواعد العسكرية التي زرعتها حولنا القوى العظمى لتضمن استمرار استحواذها على كل شيء.

وأكد الكاتب على خطورة أهم اتفاقيتين اسقطتا على الشرق الاوسط في القرن العشرين وهما سايكس بيكو ووعد بلفور، اللتان كانتا البطن الولود لكل ما هو حاصل في المنطقة العربية من تداعيات وأبرزها قيام (اسرائيل) وما تمثله وتلعبه من دور بدد الكثير من المطامح والمعاني لامة لا زالت تتطلع للحياة الكريمة. وزيادة في الايضاح فان الكتاب احتوى على ملحق خاص بالخرائط والصور.

الكتاب يستحق أن يعاد طبعه كمجلد مهم ليحتل مكانته اللائقة في رفوف المكتبة العربية.